الحجاب تحت المجهر



( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ  وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور ) (آل عمران : 186 )

عندما نطقت الشهادتين فى 10 مارس 1989 كان ذلك يعنى بالنسبة لى الخطوة الأخيرة لمرحلة استمرت عامين ونصف قضيتها فى دراسة الإسلام إلى أن صار إيمانى قوياً بدرجة جعلتنى أتمكن فى النهاية من دخول الإسلام. وأصبحت فخورة أن أصل فى النهاية إلى تلك الخطوة. ولقد نطقت الشهادتين فى حجرتي بمفردى.

        إن تغيير  الدين ما هو إلا شئ ذو خصوصية كبيرة جداً, شئ بين الإنسان والرب. لا يعنى أى شخص فى شئ. لهذا اغتسلت وتوضأت كما قرأت فى الكتب, فقبل الدخول إلى الإسلام على المرء أن يغتسل. بعد ذلك قمت بتلفظ الشهادتين باللغة العربية:
"أشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله."
وصليت فى غرفتى أول فرض وقد كان صلاة المغرب. و قبل ذلك كنت قد حفظت آيات قصيرة من القرآن لتلاوتها فى الصلاة, على العكس من أول صلاة صليتها من قبل مع زملائي فى رمضان. ووقفت لأول مرة فى الصلاة  كمسلمة أمام الله, ووليت وجهى شطر مكة ثم كبرت وبدأت أتلو:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 
الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ
 مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ
 إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ
 صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ
آمين.

كل مسلم يقرأ تلك الكلمات باللغة العربية, لغة القرآن, خمس مرات يومياً فى الصلاة. والصلاة المفروضة هذه, والتى تؤدى بنفس القواعد فى العالم كله, تشبه قليلا التصورات الغربية لفكرة الفردية.

وبالفعل كانت الصلاة وتكون تجربة شخصية تماماً, عبادة كلية بكل ما فى الكلمة من معنى. فالإنسان يصلى بجسده وعقله وروحه, ينحني لله راكعاً وساجدا,ً يسبحه بالليل والنهار,  يتلو آيات من القرآن, كما يمكنه أن يناجيه بكلامه الخاص.

تلك الليلة كان عندى الكثير كى , أقوله فلقد كانت صلاة طويلة .. على أية حال كانت بالفعل تلك بداية جديدة.
وأول من عرف فى اليوم التالى أنى أسلمت كان محمد .. جارى المصرى. فى البداية لم يفهم ما قلته ولكن بعد أن أدرك أنى صرت بالفعل مسلمة فرح فرحاً شديداً.
على العكس من أمى التى أتصلت بى فى نفس اليوم ببيت الطلبة .. كانت أقل سعادة. هذا لأن  نبأ إسلامى  لم يكن غير متوقع بالنسبة لها تماما, ذلك لأنى لم اكن أجعل من اهتمامى بالإسلام سراً أخفيه عنها, فاكتفت بقولها:
-" كل واحد يجب أن يعرف بنفسه ما قد يصلح له. أتمنى فقط ألا تكونى دخلت فى شئ لن تستطيعين الخروج منه مرة أخرى."

بفضل محمد عرف فى الحال كل العرب الذين يسكنون فى بيت الطلبة باعتناقي الإسلام. والكل قد أيد ما فعلت. ولقد انتهى آخر شك لدى فى صحة قرارى هذا بالمودة التى تلقاني بها " إخواني وأخواتي" الجدد الذين كانوا يسلمون على فى الطرقات, ويهنؤننى لاعتناقي الإسلام.
إلا أننى أحياناً كنت أشعر بنوع من عدم التصديق لتلك المعجزة فى التعليقات التى كنت أسمعها, فقلما يحدث أن تدخل كل يوم امرأة ألمانية إلى الإسلام. لذا سألني أحدهم:"هل تصلين الآن أيضاً؟
أو_"هل قرأت القرآن كذلك أيضاً؟"
وسؤال آخر:
_" لماذا لا ترتدين إذا الحجاب؟"
_"الحجاب!"
هذا ما لم يكن فى الحسبان. أنا مسلمة بالفعل, أصلى خمس مرات بانتظام فى اليوم كما جاء فى الشريعة الإسلامية ولا آكل لحم الخنزير ولا أشرب كحوليات. أما الحجاب فقد كان هذا مشكلتى. فى القرآن يذكر فى سورة الأحزاب: الآية 59:
"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"
وكذلك  ورد فى سورة النور:
"قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ" 

وطبقاً لما نقل عن النبي محمد  أنه لا يسمح للفتيات البالغات أن يُرى منهن شيئاً غير الوجه والكفين فى حضرة الرجال ممن ليس لهم قرابة مباشرة بهن. وهذا يستند على الواقعة التالية:
"أتت أسماء بنت أبى بكر الرسول ذات مرة وكانت ترتدى  ملابس شفافة. هنالك أعرض عنها الرسول وقال:"يا أسماء, عندما تبلغ المرأة لا يليق بها أن يرى منها شئ إلا هذا وهذا." وأشار النبى إلى وجهه وكفه. 
وينطبق ذلك على أفراد العائلة من الرجال الذين لهم قرابة مباشرة ويحرم منهم الزواج طبقا لما جاء به الإسلام خاصة ممن كان منهم له قرابة دم مباشرة كالأب والجد والأخوة والأبناء والعم والخال ومنهم أيضا زوج الأم والأخوة الغير أشقاء.

والملابس الفضفاضة ذات الأكمام الطويلة والسروال الطويل التى تستر كل الجسم  كانت بالنسبة لى شئ مقبولاً فما زال الجو بارداً. أما ارتداء الحجاب فكان بالتأكيد شئ محرج تماماً بالنسبة لي.
ألا يستفز الحجاب المضايقات فى ألمانيا؟
وهل من الضروري حقاً أن نرى كل شخص أى دين نتبع؟
إنما الأهم هو الاقتناع الداخلي وليس المظهر الخارجي.فما الفرق الذي تصنعه قطعة من القماش فى علاقتي الجديدة بالله؟
كما أنه لا يزال عندى نوع من التحرج أشعر به تجاه الحجاب, ومشاعري لم تؤهلني بعد لاتخاذ الخطوة الأخيرة.
 وتناسيت مشكلة الحجاب تلك فى خضم الحياة اليومية. أما فى أثناء العطلة الدراسية فكان لدى وظيفة مؤقتة مثل كثير من الطلبة. فى هذا العام عملت بإحدى شركات التأمين الكبرى. وفى أثناء فترة استراحة الظهر كنت أقوم بتأدية صلاة الظهر بأحد المساجد التركية الصغيرة, بالقرب من المكتب. وصرت أشعر بالترحاب مرة أخرى وسط المسلمين عند استقبالهم لى. ولأول مرة فى حياتى أؤدي صلاة فى جماعة حيث تتراص صفوف من المؤمنين, الكتف فى الكتف, والقدم فى القدم, موحَدين فى عبادتهم أمام الله. ولا عجب أن تفضُل صلاة الجماعة على غيرها. وليس من العجب أيضاً أن تظهر تلك الصلاة فى التلفزيون فى أى خبر عن المسلمين. 

إن تلك الصلاة بمثابة رمز لوحدة وقوة الأمة الإسلامية. و كم من مغزى تحمله تلك الصلاة فى طياتها , فمسلمى العالم أجمع يصلون بنفس الطريقة وبنفس اللغة. كما أن أى مسلم عندما يؤدى صلاته فى أى جامع يشعر وكأنه فى وطنه.

وكدت أشعر بالندم حين انقضت العطلة الدراسية واضطررت للعودة مرة أخرى إلى دراستى بالجامعة. ولكنى من ناحية أخرى كنت آمل أن أتمكن من توسيع دائرة معارفى بين الطلبة المسلمين. على أى حال فإنى صرت أيضاً مسلمة مثلهم.

ويظهر أننى الوحيدة التى لاحظت أنني صرت مسلمة. فلقد كنت لا أزال نفس الشيء بالنسبة للآخرين. وكما انه أيضاً لم يمكنهم معرفة أني مسلمة ملتزمة,  لم يكن باستطاعتى أيضاً أن أكتشف مسلمين آخرين من الملتزمين.
بالفعل كان هناك الكثير حولي ممن تبدو ملامحهم أنهم من أبناء الشرق, لكن كيف لى أن أعرف أنهم يهتمون بدينهم مطلقاً؟  هل ينبغي على أن أتوجه إلى شخص ما ببساطة وأن أسأله:
_" هل أنت مسلم ملتزم؟"
لذا كان أول ما قررته هو أن أذهب ثانية إلى الجمعية النسائية التركية. ومن جديد طفت على السطح مشكلة الحجاب الذى كان ينقصنى. فقررت تلك المرة أن أرتدى الحجاب. فأنا لن أخسر شئ عندما أتكيف مع تلك البيئة الجديدة. لذا فقد عرفوا فى الحال "بالتغير" الذى حدث لى. 
_"كيف!  .. هل أسلمتى؟"
_" لقد حدث ذلك بسرعة."
_" وترتدين الحجاب أيضاً؟"
فقلت_: "لا  .. إن ذلك شيئاً استثنائياُ. فأنا ارتديت الحجاب اليوم .. وهنا فقط."
وكأن ردى هذا لم يقطع فرحتهن بى.
_"لا عليك. إن ذلك ليس مهم فى البداية. فقط لا تدعى أحد يدفعك إليه."

 هذا ما فكرت فيه ... حتى عقلت ما سمعته لتوى ما الذى يقصدن بكلمة "ليس فى البداية" كما أنه لم يكن سهلاً بالنسبة لى أن أقوم بارتداء الحجاب فى أى وقت ما.
وبعد الدرس حيث كنا نتناول الشاي والكعك تحدثنا مجدداً عن تلك القطعة من القماش التى تنقصني.فشرحت لى هايدى "خديجة"  الهدف من حجاب المرأة من وجهة نظرها .. قائلة:
_" إن حجاب المرأة حماية لها وللمجتمع."
فسردت قائلة:
-"فى المجتمع الألمانى تضع النساء عائلاً كبيراً على مظهر جسدهن لبناء ثقتهن بأنفسهن. فتجدهن يقلدن عارضات الأزياء فى اتباعهن لنظام غذائي قاسى, وكذلك قصات الشعر المعقدة التى تتطلب ساعات طويلة أمام المرآة و يلبسن على أحدث موضة. تلك الموضة التى تبرز بالطبع كل مفاتن فى جسد المرأة."
-"لكن من يمكنه بلوغ الكمال؟"
-"فما يبعث على الأسى أن تجد فتيات لا يقدرن على مقاومة ذلك الضغط النفسى فيقعن فريسة لكل أنواع  الاضطرابات الهضمية مثل النحافة والبوليمه * التى يكثر وجودها فى المجتمعات الغربية."
-"إذاً فلو ارتدت المرأة زياً طبقاً للشريعة الإسلامية, فإنها لن تتعرض لنظرات التقييم من المارين فى الشارع, كما أنها لن تكون فى موضع مقارنة بالجماليات المبهرة للعالم الرأسمالي , التى تبتسم لنا من خلال لافتاتها المعلقة فى كل مكان."
-"إذاً فالزى الإسلامى للمرأة لا يحمى كرامتها والحالة النفسية لها فقط, وإنما يحمى تماسك المجتمع أيضاً. وللأسف لم يعد للقيم مثل"الزواج" و"العائلة" أى مكانة سامية فى العالم الغربى"
-"فلتنظر إذاً إلى مجتمعنا فى ألمانيا, تجد أن معدلات الطلاق مرتفعة. فكم من طفل فى الفصل عندى يعيش مع أحد والديه بسبب الطلاق؟ وكان سبب الطلاق باستمرار فى كثير من الحالات هو وجود شخص ثالث. فلا عجب إذاً!"
-"والرجل فى محل عمله يحاط يوما بعد يوم بنساء لبسن أفخر الثياب, وتزين بأبهى زينة, بينما تستقبله زوجته فى المنزل مرتديه ثوباً باليا,ً وفى شعرها لفائف بلاستيكيه من أجل التسريحة التى تعدها للخروج بها. فالمرء يلبس ما يحلو له فى البيت."
-"أما فى الإسلام .. فالأمر مختلف تماماً. "جميلة" تكون المرأة لزوجها فقط فى المنزل. أما خارج المنزل لا تجد المرأة حاجة فى إلى إظهار مفاتنها الجسدية."
 "والمقارنة المستمرة للمرأة بغيرها من النساء غير موجودة فى الإسلام لذا يختفى سلوك التنافس الملحوظ بين النساء كثيرا. لذا يعد الزى الإسلامي شيئاً معقول للغاية."

* BULIMIA البوليمة أو الشراهة: نوع من الاضطرابات الهضمية الحادة نتيجة مشاكل نفسية حادة . يجعل الشخص فى حالة نهم شديد عند تناوله الطعام , فيظل يأكل  ويأكل ثم  يستفرغ كل ما فى أمعاءه. وهو من الأمراض التى تكثر فى الدول الغربية .. وهو نفس المرض الذى كان تقاسيه الأميرة ديانا.
وبعد أن انتهت هايدى مما قلته فكرت فيه , ولقد أخذتني الدهشة ذلك لأنني لم أنظر إلى هذا الموضوع بهذا المنظور بتاتاً. وكان رد فعلى على ذلك الكلام جلياً, فسألتُ هايدى:
_" لماذا لا ترتدين إذا الحجاب؟ 
فأجابتنى قائلة: 
_"إنى أجتهد فى ذلك فعلاً. ففى الشتاء أرتدى شالاً فوق رأسى عند خروجى. وهذا ما تعرفينه بالفعل. لكن الأمر ليس سهلا بتلك الطريقة التى فى مخيلتك. فى الحقيقة إن الشجاعة تنقصنى. فماذا يقول جيرانى إذاً؟  .. و قبلهم عائلتى كذلك؟"
فتوجهت لسؤال أخريات يرتدين الحجاب وسألتهن:
_" كيف الحال عندكن؟ هل عانيتن التفرقة بسبب ارتدائكن للحجاب؟"

وكانت نادية, ابنة مريم رئيسة الجمعية, أول من قامت بالرد على فقالت:
_"ليس الأمر سئ إلى تلك الدرجة. ولكن يحدث باستمرار أشياء غير سارة. أنا أدرس الطب. وفى أول يوم لى فى الجامعة كنت أشعر أنى تائهة تقريباً وأنا أقف فى البهو,  بينما كنت أحاول البحث عن الاتجاه الصحيح خاطبني رجل قائلاً:
_"أنت ..  يا قطعة القماش وجردل النظافة هناك." 
ثم اكتشفت بعد ذلك أن هذا الرجل هو أستاذي فى مادة التشريح.
فاطمة – اليزابيث سابقا - الطالبة التى تدرس كى تصبح مدرسة, قالت:
_"وعندما كنت أركن سيارتي ذات مرة فى الشارع خاطب رجل عجوز زوجته قائلاً:  _"انظري .. لقد أعطوا الأتراك أيضا رخصة قيادة!"
 ووصفت جولسن, طالبة الحقوق, موقفا لها عندما ذهبت للتقدم لإحدى الوظائف  الشاغرة قائلة:
_"وعندما أعطتني السيدة استمارة قامت بتسجيل المهنة لى قبل أن أختارها فكتبت:عاملة:  Arbeiterin : Worker
وعلقت نادية فى مرارة قائلة:
_"إن ذلك مرجعه إلى أن الناس يعتقدون أن الحجاب على الرأس كستار أمام العين"
وقالت روقيه التى تعمل بائعة بأحد المتاجر:
_"بلا مبالغة. فى الحقيقة إن الأمر كما قالت خديجة. إن فى المجتمع الحديث المتنور يضع الناس اعتبارا لما يرونه فقط, أما ما يخفى وراء المظهر فلا يلاحظه أحد. فالثقافة وسمات الشخصية توضع فى المرتبة الثانية. أما فى الإسلام فإن ذلك مختلف تماما. فيجب أن ينظروا إلى المرأة على أن لها كيانها الخاص."
وأدهشني أنه رغم تلك التجارب المحزنة التى تعرضت لها تلك السيدات  بسبب ارتدائهن الحجاب ما زلن متمسكات به. ولم أستطع أن أفسر لنفسى ذلك بسهولة. لذا بدأت فى التقهقر وقلت:
_"إن ارتداء الحجاب ليس ملحاً لى فى الوقت الحالى, فأنا أسكن فى المدينة الجامعية. هناك سأفوم بتغطية رأسى عندما أذهب إلى المطعم الجماعي, أو عند ذهابى إلى الحمام." 
فانفجرن جميعاً فى الضحك.
_ "وأنا" ابتسمت عائشة – أم وربة بيت – وقالت: 
_"أنا أيضاً أرتدي الحجاب عندما أروى النباتات فى شرفتي."

وكذلك زابينة التى منعها أبوها من دخول البيت قالت:
_"كطالبة يجب ألا يكون عندك أى مشكلة. فأنتى تعيشين الآن بمفردك ولا أحد يتدخل فى حياتك. أما فى بيت الوالدين, فإن الأمر أكثر صعوبة, أو فى العمل أيضاً."

شيئاً فشيئاً صارت المناقشة غير لطيفة ً بالنسبة لى. وفرحت جداً عندما تغير الموضوع وجاء موضوع آخر إلى دائرة النقاش. عندما سألت عائشة:
_"ماذا عن ندوة أحمد؟ متى ستكون ندوته القادمة؟"
فردت رقيه:
_"نعم. سوف تبدأ المحاضرة هذا الأسبوع. ألا تودين الذهاب أيضاً يا آنيا؟ ولكن علىّ أن أحذرك إن تلك الندوة ذات مستوى علمى رفيع."

وعلمت منهن أن أحمد مسلم ألماني الأصل, وطالب بالعلوم الشرقية , مثلى تماماً, ولكنه فى مرحلة متقدمة عنى. وسوف يقوم بإلقاء محاضرة عن مسائل فى العقيدة الإسلامية. وانتابني الفضول فى أن أعرف ما سوف يعلمهن. فربما سينفعني ما سيقوله فى دراستي. لذا طلبت منهن أن يعطينني الميعاد المحدد لتلك الندوة.
وبالفعل حضرت فى الميعاد المحدد إلى قاعة الندوة بمقر الجمعية التركية. وارتديت الحجاب مرة أخرى بمناسبة تلك الندوة. رغم أنني مازلت غير مقتنعة بفائدته إلى حد بعيد.وفى تلك الندوة كان الأمر مختلف تماما. فكان عدد النساء يبلغ العشرين ويرتدين كلهن الحجاب مراعاة للأستاذ الطالب الذى سوف يقوم بتعليمنا.وجلسنا كلنا على الأرض, لكن هذه المرة على شكل مربع ناقص ضلع. وقدم تم التنويه على رئيس الندوة بـ" أخونا أحمد" ثم دخل القاعة

لقد كان أحمد ألماني مسلم .. فى منتصف العشرين من عمره. يطلق لحيته, والتي يغلب عليها اللون الأحمر, مرتدياً سروالاً فضفاضاً وفانلة رياضية,  وكذلك يضع طاقية صغيرة فوق رأسه. وكما علمت فيما بعد أنه يرتدى تلك الطاقية باستمرار. وقيل أن سبب ارتدائه لها هو تضامنه مع "الأخوات" اللاتي يرتدين الحجاب حيث يُعرف من مظهرهن أنهن مسلمات.إلا أننى لم أتوقع مطلقاً انه لن يجلس بمواجهتنا.. نحن المستمعات.فاعتلى مكانه جانباً. وبدا ذلك وكأنه لم يكن كافيا,ً فقام بوضع حقيبته بيننا وبينه. وكان ذلك لنتيجة منطقية لآية وردت فى القرآن من سورة النور:
"قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون َ(30 )"
كان ذلك شئ غير مألوف .. على الأخص بالنسبة لى.
ألا يعد ذلك التصرف فى ألمانيا غير مهذباً عندما لا تنظر مباشرة إلى عينى من تحدثه؟
إن ذلك سيكون أحسن بكثير.
فى الواقع صارت تلك الندوة شيئاً ممتعاً ولم تكن شيئاً أخر غير ذلك. فهذا الشاب يمتلك علماً غزيراً بطريقة مدهشة. ويبدو وكأنه يستطيع أن يحاضر بكل المؤلفات العلمية من الذاكرة.وقد ألقى محاضرة فى ذلك اليوم عن علم الحديث. و"الحديث" هو خبر قاله أو فعله أو أجازه النبى صلى الله عليه وسلم. ومن ناحية أخرى تعتبر سنة النبى شئ هام للمسلم كى يحذو حذوها.
ويعتبر علم الحديث فى واقع الأمر نقد للحديث. حيث يعتد بالنقد التاريخى لصحة نص الأحاديث. فكل حديث يتكون من نص إلى جانب سلسلة من الرواة. كأن تقول: سمع فلان عن فلان عن فلان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:".... ."
وعالم الحديث يختبر موثوقية كل راوى على حدى, بمساعدة معايير مختلفة, مثل تاريخ حياته وسمعته وقدرته على الحفظ وما شابه ذلك. كما أن النص يتم فحصه عن طريق الاستخدام اللغوى للعصر الذى ورد فيه. 
البخاري على سبيل المثال أحد أهم جامعي الحديث فى تاريخ الإسلام. وقد قام البخاري بجمع أكثر من 600,000 حديث أثناء رحلاته فى القرن التاسع الميلادي, ولم يقبل منها إلا 7,400 حديث فقط بعد مراجعة دقيقة, ثم وضعها فى جامع الأحاديث الشهير بـ"صحيح البخاري". ويعد هذا الكتاب من الأعمال الرئيسية التى ترتكز عليها الشريعة الإسلامية. وكلمة "صحيح" هى كلمة متخصصة فى مجال الحديث حيث تعنى أن نص الحديث يعتبر مؤكد.
ويوجد بالطبع كلمات عربية أخرى متخصصة لكل درجة من درجات الحديث, وكذلك لكل معيار للحكم على تلك الأحاديث.
وقد أعد أحمد لنا ملخص  فى ورقة عن كل شئ خاص بالأحاديث. و أعد لنا أمثلة تاريخية خاصة باستخدام النقد, وحكى لنا نبذة تاريخية صغيرة عن رواة الحديث, بعدها فجاءنا أحمد بـ"امتحان".
ابتسم أحمد قائلاً:
_" أريد أن أرى إن كنتن قد تعلمتن شيئاً مما قيل فى هذه المحاضرة". 
من الواضح أن غزارة المعلومات التى يتمتع بها أحمد ليست فقط هى التى أذهلتني وإنما ذلك الامتحان الذى كان فى انتظارنا. لذا نشأ عن الامتحان ساعة من الأسئلة والاستفسارات عما سمعناه, ولكنها خرجت فى وقت قصير عن مضمون الموضوع , و أخذت بعداً أوسع, ذلك لأن بعض المستمعات انتهزن الفرصة للسؤال عن أشياء أخرى. ورغم أن تلك الأسئلة لا تمس الموضوع فى شئ إلا أنها من الأسئلة التى كنت أود أن أسأل عنها دائماً, كتلك التى تعنى بأشياء تمس حياتنا اليومية.
ثم سألت إحداهن:
_"ماذا ينبغى على أن أرتديه أمام غيرى من النساء عندما أذهب إلى حمام السباحة؟" 
وسألت أخرى:
_"هل يجوز لى أن أتعاطى أدوية تحتوى على الكحول؟ وما بال العطور التى تحتوى على الكحول؟"

تلك كانت من الموضوعات التى هى محط اهتمامنا جميعاً. وتطورت سريعاً مناقشة ممتعة عن صفة ثوب السباحة الذى ترتديه المرأة أمام غيرها من النساء. فعلى المرأة طبقاً للشريعة الإسلامية أن تغطى جسدها من السرة حتى الركبة. ولكن من منا تنزل إلى حوض السباحة وهى عارية الصدر؟ 
و كذلك دارت مناقشة عن إمكانية استبدال أدوية سائلة تحتوى على مادة الكحول بغيرها من الأقراص والكبسولات, فإن لم يوجد أى بدائل يكون استخدام الدواء مباح بالطبع. وكذلك تحريم الكحول وعلاقته بصناعة العطور قد تم مناقشته أيضاً.
أورد أحمد قائلاً على سبيل الاستنكار:
_" هل منكن من ترغب فى شربه بعد كل ما ذكرناه؟"
وبدا أحمد تقريباً وكأنه معين من المعارف لا ينضب أبداً. ورغم أنه فى بعض الأحيان كان يتحدث ظاهراً عليه الإجهاد, إلا أنه لا يزل على استعداد تام لإجابة كل سؤال: _" أخواتي , من فضلكن, دعونا نعد إلى الموضوع." 
كل فى مجمله قد خلف انطباعاً كبيراً فى نفسى. وكله يرجع إلى المحاضر "أحمد" ..  والذى كان مقدراً لى أن أقابله بعد ذلك بفترة وجيزة.

وفى تلك الأثناء بدأت الدراسة فى الجامعة. وما زال لا يعرف أحد قط بخبر إسلامى عدا هايدى, إلا أن ذلك لابد وأن يعرف فى الحال. وعندما علمت صديقتى كلاوديا بخبر اسلامى لم تبدى أى تعليقات. فرغم أنها مسيحية ملتزمة إلا أنها كانت متسامحة بالقدر الكافى الذى يسمح بقبول أى من المعتقدات الأخرى غير دينها.

وقد التحقنا فى هذا الفصل الدراسى بدورة تدريبية فى فن الخط. وكان مدرس الخط فناناً عرضت بعض لوحاته الفنية للخط العربى فى  المعارض الدولية. ولم يقتصر دوره فقط على بعث الهمة والنشاط التى تجعلنا نمسك بالقلم بالطريقة الصحيحة حين كتابتنا للحروف, وإنما علمنا أيضاً كيفية توزيع المساحة بين الحروف توزيعاً صحيحاً كى يشكل الخط وحدة جمالية متناسقة.

وفى المحاضرة الأولى قام بتقطيع أقلام من خشب البامبو جلبها له أحد الأشخاص من حديقة الحيوان.
فى المحاضرة الثانية أخذنا تدريباً عمليا, ووضعت أنا وكلاوديا الحبر أمامنا, وبدأنا نكتب. فى البداية حاولنا رسم بعض الحروف, إلا أنها كانت تجربة ممتعة للغاية. 
فجأة فٌتح الباب, ودخل أحمد الحجرة! .. تحدث قليلاً إلى المدرس ثم جاء ينظر. من الواضح أن أحمد يعرف أيضاً فى مسائل فنون الخط بطريقة ممتازة. فدعته كلاوديا إلى مائدتنا ليريها كيف تكتب بالقلم بطريقة صحيحة. وأبدى أحمد لتوه رغبته فى مساعدتنا, فسحب كرسيا وفتح مقلمة بها خمسة أقلام من خشب البامبو مختلفي السُمك. وحكى لنا أنه يصنع بيديه الأقلام الخاصة به, ففى بيته لديه الكثير من الأقلام, وتلك الأقلام هى أصغرها حجماً. ثم استأذننا فى استخدام حبارتنا, وشرع فى عرض بعض النماذج من الخطوط لنا. وبعد مضى فترة خاطبنى قائلاً:
_"أنا أعرف كلاوديا, أما أنت فلم أتعرف عليك بعد, ما اسمك؟"

إن أحمد لم يعد باستطاعته التعرف على وأنا غير مرتدية الحجاب كما رآنى من قبل, لذا عرفته بنفسى قائلة:
_"ولكنى أعرفك, لقد حضرت إحدى ندواتك بالمركز التركى."
_"كيف؟! .. تقصدين ،أنك مسلمة؟"
فجأة طار كرسيه متراً إلى الوراء, وتملكنى الصمت, أما أحمد على العكس من ذلك حيث استأنف حديثه على الفور:
_"كيف لى إذاً أن أحدس أنك مسلمة؟ إنك غير مرتدية لأى حجاب مطلقا."
فرددت على دهشته قائلة:
_" إننى حديثة العهد بالإسلام."
فاستحسن أحمد ذلك ولكنه علق قائلاً:
_" ولكن مسلمة بغير حجاب ليست لها طبعاً نفس القيمة الكبيرة مثل المسلمة التى ترتدى الحجاب."
وأخذ الغضب يتملكنى تدريجياً. ياله من مقياس!! فكثير ما كنت أعتقد أن المسلمون لا يحكمون على المظهر الخارجى.
وبعد انتهاء الدرس أخذت نفسى وذهبت إلى محمد, جارى المصرى, حيث كان فى الطريق مع أحد زملائه, وأخبرته بما حدث وقد كان لا يزال يتملكنى بعض الغضب.فى البداية لم يقولوا أى شئ .. ثم رد أحدهم  علىّ قائلاً:
_" حسناً, كان عليه ألا يخبرك بذلك بطريقة مباشرة."
فانفجرت فيه قائلة:
_"هذا يعنى بصريح العبارة .. أَنّ معه حق؟!"

فى ذلك اليوم قلت أشياء كثيرة عن الرجال المسلمين ما لا أستطيع أن أذكرها فى هذا المقام, و لا أود أن أذكرها مرة أخرى أبداً.

أما هؤلاء الرجال المهذبين فلقد آثروا الصمت, فثقافتهم العربية علمتهم أن إمساك المرء على لسانه فى تلك الأحوال أفضل من أن يدخل نفسه فى شجار. 

ثم هدأ غضبى بمرور الوقت. ولقد أخذتُ تلك الواقعة على أنها أول محك لى بالتشدد الإسلامى*. وقررت أيضاً ألا يفرض أحد من هؤلاء الرجال علىّ شئ فى دينى الجديد.
وفى اليوم التالي كان لدى بعض الاستراحة بين المحاضرتين تحدثت فيها قليلاً إلى "كلاوديا" و"نورتن" فى ردهة المعهد. ونورتن فتاة تركية تعرفت عليها فى دورة تعلم اللغة العربية, وهى إحدى صديقات هايدى.كما انضمت إلينا فتاة أخرى تدرس أيضا العلوم الشرقية ولكن بجامعة هامبورج. وهى الآن فى انتظار مدير معهدنا لكى تتكلم معه فى إمكانية إكمال دراستها بجامعتنا.


*هذا يعبر عن الحكم المسبق للكاتبه قبل أن تعرف  الصواب بعد ذلك. فهى تحكى عن أول خبرتها بالإسلام.                                تعليق المترجم
"كارولين" .. هكذا كان اسمها .. عندما رأتنا انتهزت الفرصة وسألتنا عن طبيعة الدراسة هنا بالجامعة. فحكينا لها عن الندوات والمدرسين والمعيدين. بعد ذلك استأذنت كل من كلاوديا ونورتن للذهاب إلى المكتبة. لذا أتيحت لى فرصة الآن لسؤال كارولين عن الدراسة فى هامبورج. وأثناء كلامها دخل أحمد الحجرة, كالعادة لا يصعب معرفة أنه مسلم لارتدائه الطاقية الصغيرة فوق رأسه.وعندما رأته كارولين أومأت برأسها فى اتجاهه وهمست فى أذني:
_" هل لديكم هنا أيضاً مثل هؤلاء المستفزين, المتحولين عن ديانتهم؟ إنهم يثيرون معنا المشاكل دائماً فى هامبورج."

ورغم غضبى لما بدر من أحمد فى المحاضرة, إلا أننى شعرت فجأة بنوع من التآزر   معه الآن. فرددت عليها:
_" أنا أيضا من هؤلاء المتحولين عن ديانتهم مثيرى المضايقة هنا فى جامعتنا."
 نظرت كارولين إلى وقالت :
_"كيف؟ أنا أقصد هؤلاء" الألمان" الذين يتحولون إلى الإسلام .. مدعى التقوى, المضايقين هؤلاء."
فقلت: "أفهم ما قلتيه تماماً, أنا أيضاً أصبحت مسلمة."

فُتح الباب أمامنا فى تلك اللحظة, ودخل إلى الردهة مدير المعهد الذى كانت تنتظره طوال الوقت ثم نظرت إلى نظرة جانبية يملؤها العجرفة وتركتني واقفة حتى دون سلام ! ثم مضت كى تتحدث إلى المدير.

فى هذا الفصل الدراسى ذهبت لأول مرة لحضور ندوة فى العلوم الشرقية يلقيها البروفيسور" فلاطورى" .. إيرانى مسلم .. وهو يعتبر المسلم الوحيد الملتزم على الإطلاق فى هيئة تدريس المعهد, ذلك لأنه موجود بالمعهد منذ عدة سنوات, وقد درّس الفلسفة, وحاز سمعة واسعة النطاق طيلة هذه السنوات فى جميع أنحاء العالم كبروفيسور فى الفلسفة.وكان يحلم بالتسامح والمعايشة السلمية بين جميع الأديان. وفى محاضرته يغطى جميع الموضوعات إما التى تخص الحوار بين الأديان أو التأثيرات الحضارية للإسلام على جميع أنحاء العالم.

ويُدعى دائماً إلى محاضراته مختلف الضيوف المحاضرين, كالأساتذة من مختلفى التخصصات والجنسيات, وكذلك علماء اللاهوت من مختلفى الطوائف والأديان. فلقد كان الاهتمام بحضور ندواته كبيراً جداً.كما جاء عدد كبير من المستمعين ممن هم من خارج التخصص, حتى أنه أتى من هم من خارج الجامعة, كالصحفيين والأساقفة والمسلمين أيضاً, الذين يتطلعون إلى زيادة ثقافتهم.

و فى الندوة جلست إلى جانب "دنيزه" .. إحدى الطالبات التى معى فى دورة اللغة العربية. وكانت هناك أيضاً بعض من "أخواتى" المسلمات الجدد من الجمعية النسائية. وحضرت كل من هايدى و"زابينه", ومريم لحقت بهن أيضا.ً ولقد لفتت انتباه الكل ذلك لسنها المتقدم وسط كل الطلاب. وبالطبع كان أحمد هناك أيضاً .. الذى يدرس العلوم الشرقية مثلى.وقبل انتهاء المحاضرة بفترة وجيزة نهضت مريم وغادرت القاعة. ونظرت إليها دنيزة نظرة مستهجنة. ثم سألتنى:
_"هل تعلمين أنها ألمانية؟ .. أنا لا أستطيع أن أفهم كيف لامرأة مفكرة مثل مريم  أن تفعل شيئاً كهذا؟"
فسألتها:-" مثل ماذا؟"
وسرعان ما ردت:
_" أن تدخل الإسلام .. ألا تعلم إلى أى مدى يكون هذا الدين معادياً للمرأة؟!"
وللمرة الثانية أجهر بدينى:
_"أما أنا فأستطيع أن أفهم جيداً جداً ..  فلقد أسلمت مثلها فى واقع الأمر."
_"أنتـــــــــــــــــــــــــــى!!!"
ثم صدر منها بعد ذلك رد فعل لم أتوقعه منها تماماً فقالت:
_" لماذا لاترتدين الحجاب إذاً؟ إنك هكذا غير متمسكة بدينك, إنك لست مقتنعة إذاً به. أعتقد أن ذلك لا يصح."

ولقد صدمنى حقاً هذا النقد, فلقد صدر من جانب لم أكن أتوقع أن يصدر منه أى نقض أبدا,ً خاصة فى هذا الشأن.

مرة اخرى بدأت أعيد تفكيري فى شأن الحجاب. وبفضل التجارب التى حدثت لى الأسبوع الماضى بدأت أكتشف المغزى من ارتداء الحجاب. ولقد ذُكر هذا المغزى فعلاً فى القرآن من سورة الأحزاب, الآية 59:
" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"
" يُعْرَفْنَ " .. إنها تلك الكلمة التى لم أنتبه لها من قبل.
 إن دنيزه على حق.
إنني كنت غير مقتنعة.
 إنني مسلمة ولكنى لم أرغب فى تحمل النتائج.
إننى أردت أن أبدو مثل الآخرين بيد أنى لم اعد مثل الآخرين.
فجأة انتابنى شعور وهو أننى أرغب فى عدم أخفاء إيمانى بعد الآن , ونويت أن أجهر بإسلامي علانية.
إن أحمد محق فالمسلمة دون حجاب ليست لها نفس القيمة الكبيرة بالنسبة للإسلام مثل المسلمة التى ترتدى الحجاب. لأن المسلمة التى لا "تُعرف" مثل هؤلاء اللاتي لا يرتدين الحجاب تتنصل من مسؤليتها فى المجتمع. فهى إذاً لم تؤمن الإيمان الكامل بعد. ناهيك عن أنها تهمل بذلك فرض الحجاب.
" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا"  (سورة الأحزاب : 18 ) 

نحن كمسلمين نثق فى حكمة الله.
أذكر على سبيل المثال تحريم أكل لحم الخنزير. لفترة طويلة من الزمن نادى العلم الغربي بأن التحريم  يتعلق بمحتوى التريكنيا فى لحم الخنزير. فيكون أكل لحم الخنزير خطيرا فقطً فى ظروف المناخ الحار كما فى بلاد الشرق.أما فى أوروبا المعاصرة فالتحريم هنا لا يكون له أى أهمية. * (هذا رأى علماء الغرب وليس رأى الكاتبة)
حتى ذلك الوقت بدأ العلماء فى اكتشاف مواد أخرى ضارة بالصحة فى لحم الخنزير. ومن يعلم أنه قد يأتى على العلماء فى المستقبل يوم يكتشفون فيه أسباب أخرى. أما هذه الأيام فقد بدأ يختفي لحم الخنزير أكثر و أكثر من قائمة المأكولات. وهناك حقيقة أخرى يجب علينا أن نتأملها وهى أن تحريم أكل لحم الخنزير يعود إلى عهد موسى والشريعة اليهودية. 

نفس الشيء ينطبق بالمناسبة على ختان الرجال, فهو يوصى به بدرجة قصوى بالنسبة لهم. وعلماء الطب الحديث يقدرون أيما تقدير النتائج الإيجابية للختان. هل تعلم على سبيل المثال أن احتمال الإصابة بنوع من أنواع السرطان الفتاك أقل عند الرجال المختنين وكذلك زوجاتهم, أكثر من الرجال الغير مختنين وزوجاتهم؟ 

إن الأوامر الإلهية واضحة أساساً .. حتى ولو اقتضى من ذلك زمناً لفهم المغزى العميق منها فعلا. لذا توصف حقاً الأوامر الإلهية بأنها تحد للعلم. هذا ينطبق أيضاً على العلماء الذين يريدون برهنة تلك الأوامر الإلهية بالحجج, وكذلك أيضاً على من يبحثون عن أوجه التعارض بين آيات القرآن والعلم الحديث. وإلى يومنا هذا لم يتم إثبات صحة تلك التعارضات.
فأى تعارضات إذاً بوسعها أن تصمد فى مواجهة الثقة بالله؟
وهكذا بقت لى نتيجة منطقية واحدة فقط وهى أننى أثق فى حكمة الله, لذا بدأت بعد ستة أسابيع من إسلامى بارتداء الحجاب طبقاً للشريعة الإسلامية.

وكما قال لى أخى إن هذه أسوأ شيء حدث فى عائلتنا.
سيئ .. ذلك كان الحجاب بالفعل بالنسبة لعائلتى. فدخولى الإسلام عيب لا يحس به أى مخلوق, أما الحجاب فيعد شيئاً لا يمكن إخفائه بتلك السهولة. بيد أن أبى ظل متمسكاً بمبدئه الذى يتخذه فى الحياة من البداية فقال لى:
_"ما يقوله الناس لا يعنيني فى شيء." 

أما جدتي فلم تعلم بخبر دخولي الإسلام إلا عندما ارتديت الحجاب.ولقد اتصلتُ بها هذا الصباح لكى أمهد لها زيارتي الأولى بمظهرى الجديد, ولقد أخبرتها عن الجديد فى حياتى من حيث دخولي الإسلام, فبدأت جدتى فى البكاء على الفور وسمعتها تنتحب وتصرخ :
_”إنك سوف تذهبين إلى الجحيم."
 ثم وضعت السماعة. إلا أنها قامت بتهدئة نفسها قبل زيارتى لها عصراً. وعلى الفور بدأت بإحدى المناقشات العديدة التى لا تنتهى عن الإسلام والمسيحية. 
 لقد بدأت جدتى الحرب.
أما أمى التى تركت الكنيسة منذ زمن بعيد _ ذلك لأن آراء الكنيسة صارت ضيقة جيداً بالنسبة لها _ وجدت أعظم الصعوبات فى التعامل مع التحول الجديد فى حياتى فقالت لى:
_"كيف تختارين ديناً يقيد الحرية الشخصية بهذا الشكل؟"
فيمكنك أن تقول أن الحجاب بالنسبة لها كالدواء المر, و يجعل من خطأ تربيتها لى واضحاً أمام كل الناس. إلا أنها تركت لى الحرية قائلة:
_"افعلي ما ترينه صواباً, أما انسجامى مع ذلك الأمر فهذا من شأنى وليس  من شأنك."
وكما علمت من جدتى أنه قد انتشرت شائعة فى بقية أفراد عائلتى , فقالوا أن الحجاب ما هو إلا مرحلة وسوف تمر سريعاً. بهذا خمد الموضوع تماماً , وعاملوني بطريقة طبيعية جداً وكأن شيئاً لم يكن.

وأحمد الله أن هذا الموقف ظل دون تغيير, ورغم ذلك فإن تلك "المرحلة" ظلت عشر سنوات إلى الآن ولا يبدو هناك أى علامات فى الأفق تدل على نهايتها.

وصار الكل يعرف نبأ إسلامى من خلال ارتدائى للحجاب. وأصبحت من جديد فخورة  لأن أجد الشجاعة الكافية وأعتنق الإسلام. وعاهدت نفسى على أن أتمم شعائر دينى بأفضل السبل. ويدهشنى إلى الآن كم كانت وجهة نظرى عن الإسلام ضيقة فى تلك الفترة.

أما كلمة مسلم فلم أدرك مفهومها بالكامل حتى عهد قريب. ولم أشعر فقط بالفخر فى تلك الفترة وإنما استمتعت جداً بارتدائي للحجاب أيضاً.

وعندما قررت ارتداء الحجاب, اتصلت فى نفس الليلة بهايدى وتكلمت معها فى الهاتف طويلاً. فأخبرتها عن اعتزامي اليوم التالى ارتداء الحجاب فى بالجامعة. فقررت هايدى تلقائياً أن تنتهز تلك الفرصة وتجعل منها فرصتين. ورأيتُ أن هذه فكرة رائعة أن نمشى سوياً بالحجاب .. هكذا كان أفضل بالنسبة لى.

وفى الصباح بدأت فى ارتداء حجابى تملؤني الثقة بالنفس. فى البداية ظهر الثياب الإسلامى الذى ارتديه به شئ من المغامرة, فلقد كان عبارة عن بنطلون جينز وبلوزة فضفاضة, بالإضافة إلى الحجاب المرصع بالجواهر, والذى أحضرته كتذكار من مصر عندما كنت أقضي أحد العطلات هناك. من أين كان باستطاعتي أن أحضر على الفور مثل هذا الثياب  وأنا هنا فى ألمانيا؟

وفى ذلك الصباح قضيت أكثر من نصف الساعة أمام المرآة. على أية حال لم تكن تعجبنى صورتى فى المرآة, فلقد حاولت عدة مرات ربط الحجاب, فمرة أحكم ربطه من جانب, ومن جانب آخر يظهر جزء من الشعر. ولقد فشلت فى أحكام ربطه ,فبدأت أشعر بالاستسلام خاصة أنه لم يعد لدى أى وقت, لذا بقى الحجاب هكذا كما كان وبعدها غادرت المنزل.

وفى الترام بدأت ألاحظ أول رد فعل, فنظرت إلىّ امرأة شابة لفترة ثم تحولت إلى رفيقها وسألته:
_"هل رأيت ليلة البارحة الخبر عن العائلات التركية فى التلفاز؟ أليس من المفزع طريقة حياتهم داخل العائلة؟"

على العكس من ذلك مضى الحال فى الجامعة هادئاً بطريقة مدهشة. إلا أن هايدى لم تكن هناك بل دنيزه , الفتاة التى كانت تجلس بجانبي فى المحاضرة. فابتسمت فى وجهي وقالت:
_"إني أجد ذلك شيئاً طيباً."
وحضرت ندوة أخرى فى معهد الجغرافيا, هناك قابلت "هايدرون" .. الفتاة التى سجلت اسمى معها فى الامتحان بهذا الفصل الدراسى. 
وقد سألتنى هايدرون يملؤها الفزع ما الذى أصابنى؟ فهدأ من روعها حينما أخبرتها أننى قد أسلمت, فجاء رد فعلها ساذجاً وقالت:
_"آه .. لقد ظننت أن هناك شئ يؤلمك فى أذنيك."

فى اليوم التالى لم أعد بحاجة لتلك الفترة الطويلة لربط الحجاب, وبدأت أتعود تدريجياً عليه. ونسيت ذات مرة أو مرتين ارتداء الحجاب عندما كنت أخرج من غرفتى فى بيت الطلاب, ولكن ذلك لم يكن يمثل أى مشكلة. بإيجاز لم يكن لدى أى مشاكل فى التعامل مع الحجاب, حتى أن الناس بدت غير عدوانية كما كنت أتوقع. ففى كل مكان أجد من يهتم بالاستفسار عن دينى الجديد, فكنت أقوم بالرد على أسئلة المارة فى الشارع, وأتناقش معهم وكذلك كل من تجلس بجانبى فى الترام أو أثناء الانتظار فى عيادة الطبيب.
والذي لم أكن أعرفه فى تلك الفترة أن مشكلة الحجاب الحقيقية إنما تنمو فقط فى عقول النساء المحجبات أنفسهن. ورغم مضى الأسابيع الأولى حيث كان الحجاب شيئاً جديداً ومثيراً, ورغم أنه أصبح شيئاً عادياً فى الحياة اليومية إلا أن التعليقات لم تتوقف فى المواصلات .. فى الشارع .. أثناء التسوق .. وعند الذهاب إلى المصالح الحكومية.. سيان فى أى مكان أتواجد فيه.. سيان أى شخص أقابله أسمع تكراراً ومراراً نفس الأسئلة ثم أرد بنفس الإجابات. وهناك بعض الناس يبدون فضولاً لا ضرر فيه كأن يقولون:
_"هل أنت راهبة؟" 
هذا هو أقرب تداعى للخواطر عن الحجاب.
أما الأطفال فيفكرون بطريقة أخرى فتسمعهم يقولون:
_"هل أصبحت تركية؟"
بالفعل .. هنا يمكن أن يقال عليك فى كثير من الأحيان أنك أجنبي. لهذا السبب دعانى مدير المدينة الجامعية لأقوم له بالترجمة الفورية عن اللغة التركية.
وذات مرة عندما كانت هايدى فى أحد محلات الأيس كريم سألها البائع مشيرا ناحيتها بإصبعه:
_"هل تريدين كرتين أم ثلاثة من الأيس؟"
فرأى أحدهم أنها تتحدث الألمانية, هنالك جاء السؤال التالى إجباريا:
_"أين تعلمت تحدث الألمانية بهذه الطلاقة؟"
وهناك تعليق ذو مستوى أرقى لطالما سمعته أثناء عطلة الصيف:
_" أليس الجو حاراً تحت الحجاب؟"
وبعض الناس ذو ثقافة أكبر تجدهم يقولون لى تحليلاً  يثير العجب:
-"إن الحجاب فى الواقع يخص فقط بلاد الشرق, حيث المناخ الصحراوي."
_"إنى أتسائل ..  هل الجو عندنا فى الجهات المعتدلة أشد حرارة من الجو  بالنسبة للنساء اللاتى يسكن الصحراء؟"
وأناس آخرون يقولون:
_"ليس فرض على النساء المسلمات ارتداء الحجاب." 
_"وما الدليل؟"
_" زوجة ملك الأردن "الراحل" لا ترتدى الحجاب."
تلك المجموعة ليس مفهوماً عندهم مطلقاً كيف تدخل
 امرأة ألمانية إلى الإسلام.
نعم .. ألم تقرأ " بتى محمودي؟"
وبعضهم أقل اهتماماً بتلك المسألة فلا يكد يكمل كلامه: 
_" كيف يتأتى لها أن ...؟"

* أو " أبداُ دون ابنتي" 
قصة إحدى الأمريكيات المسلمات تدعى "بتى" تزوجت من إيرانى يدعى "محمودى" وأنجبت منه طفلة تدعى "ماهيتاب". عاد بهن من أمريكا إلى طهران لقضاء أسبوعين. إلا أنه فى الواقع كان يريد الاستقرار فى وطنه فأخذ يماطل زوجته بتى مستغلاً سوء العلاقات الأمريكية الإيرانية _ أبان الحرب العراقية الإيرانية _  إلى أن طلبت منه الطلاق ولكن على شرط أن تسافر دون ابنتها. بالطبع رفضت الأم, فحول حياتها إلى جحيم. لذا قررت الفرار من هذا الجحيم  .. وبدأت رحلة الهروب بابنتها.
 وهى من الروايات المشهورة فى أوروبا ..  تستخدم فى الإساءة إلى الإسلام مثل رواية الألمانية التى أسلمت ثم ارتدت مرة أخرى بعنوان (حاربت من أجل الله) وبعون الله سوف أقوم بترجمة تلك الروايتين فى القريب العاجل بمشيئة الله لفضح منطقهما المتردي.                    تعليق المترجم
ولكنهم يعتبرون ارتداء الحجاب شيئاً ثقيلاً على النفس. لذا كان الناس يسلّمون على فى الشارع أثناء التسوق قائلين:
_" يحيا هتلر."
وعندما كنت أقف فى محطة الترام قال لى أحدهم:
_"هنا أوروبا .. ارجعي إلى بلادك!"
 وعندما كنت فى نزهة مع بعض صديقاتى علق أحد المارة قائلاً:
_" انظر إلى تلك الخيمة!"

ويأتى على وقت لا أعد أتحمل سماع تلك التعليقات السخيفة .. نعم, حتى وإن كان هناك بعض التعليقات الإيجابية مثل:
_" أعتقد أنك شجاعة بما فيه الكفاية لترتدى الحجاب." 

فبدأ الأمر يؤثر على أعصابى .. فبمرور الوقت يمكن أن يتكون عندك نوع من البارانويا, فالناس لم تعد تنظر إليك على أنك شخصية, وإنما كحجاب فقط. فكل السلبيات التى يمكن أن تواجهها عند التعامل مع الناس تصنف تحت بند الحجاب. وعندما أكون فى محل بيع الخبز وأتى بعدى زبائن آخرون فهم أول من يأخذون طلبهم .. السبب طبعاً هو الحجاب.
_"إن البائعة من الواضح جداً أنها تجاهلتنى .. فأنا أرتدى الحجاب."
نفس الشئ يحدث عندما يقوم محصل التذاكر بمراجعة تذاكر الدرجة الأولى الخاصة بى. فيقول:
_" إن المسلمين يجب ألا يركبوا هنا! ولكنكم تزوغون بطريقة شرعية."

حتى لو أن الموظف فى المكتب معكر المزاج وليس باستطاعة أحد أن ينتزع منه أى ابتسامة وكنت وقتها ارتدى الملابس "الطبيعية" لكان بلا شك حاله أفضل جداً.

بعض القراء سوف يجد نفسه ضمن هذه القائمة من التعليقات وسيقول فى الحال:
_"طالما ترتدين الحجاب فعليك أن تتوقعى أن ذلك يثير اهتمام الناس."
-"هذا حق .. أنا متفقة معك تماماً .. ولكن المشكلة ليست فى اهتمامهم وإنما المشكلة تنصب فى أن أغلب الناس الذين أقابلهم يعرفون أشياء أكثر منى عن الإسلام. إن الإيمان بما تبثه وسائل الإعلام واسع المدى, فجملة واحدة يقولها "خبير" فى التلفاز لها مصداقية أكبر مما أقابله من تجارب فى حياتى اليومية. على أية حال يكفى أنه مسموح له بالظهور فى التلفاز , بينما ليس مسموح لى." 

إن الإسلام ينظرون إليه على أنه تهديد, والنساء المسلمات ضحية, والحجاب هو رمز لاضطهادهن. فالمرأة التى ترتدى الحجاب ينظر إليها دائماً على أنها ضيقة  العقل, أو كمخلوق معذب يجب أن يساق ويؤخذ بيده لدخول القرن الواحد والعشرين.

الحقيقة تكمن فى أن معظم الناس تتكلم عن النساء المسلمات وليس معهن .. ولو سُئلن عن أى شئ فسوف يدور بالتأكيد حول دور المرأة. فليس من المعتبر أن يكون لدى المرأة أى شئ تقوله عن مواضيع أخرى كالسياسة و الاقتصاد. إن هذا يمثل نوع من الحَجر الفكرى الذى تعانى منه النساء المسلمات فى ألمانيا: فالمجتمع ينكر عليهن أى قدرة على التفكير بأنفسهن, أو تحمل مسئولية أنفسهن.ورغم تلك الأيام الأولى حيث بدأت أرتدى حجابى فى الجامعة, كنت لم أزل مليئة بالحماس. 
إن العلاج الفتاك لموجات التحامل  لن يكون إلا من خلال تصرفاتنا المستقيمة. وعلى النساء المسلمات ألا تدع لأحد الفرصة أن يصنفهن حسب هواه. وعليهن أن يبرهن أنه يمكنهن الكثير من الأشياء .. أكثر بكثير من تلك التى يظنها مجتمعنا الألمانى. فقط المظهر الذى تظهر به المحجبات فى الجامعة, أو فى أى تواجد عام للمسلمين الألمان يجب أن يحث الناس على التفكير. لذا عاهدت نفسى على أن أصبح مسلمة محجبة مثقفة  .. تثق فى نفسها ..  و قررت أن أحتل مكانتى فى المجتمع.