دين الحق


 فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ   (الشورى : 15 )
بزواجنا صار محمد جزءاً من عائلتى, و رحبوا به جدا. هو نفسه بدأ يشعر وكأنه فى بيته. وتطبيقاً لما ورد فى القرآن عن تلك الوصية الإلهية "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا" * عزف محمد لحن من الوئام مليئ بالأدب و الاحترام, و هما ما لم يكونا موجودان من قبل داخل أسرتى, لهذا انتهز والدى تلك الفرصة لتوه متحججاً بوجود محمد عندما يحدثنى قائلاً:
_"استمعى إلى زوجك, وعليك أن تحترمى أباك."        

كما أن جدتى انتهزت نفس الفرصة و تحججت بوجود محمد .. لكنها أشارت هذه المرة إلى والدى قائلة:
_"استمع إلى زوج ابنتك, واحترم أمك."

بيد أن الكل كان يحب محمد. وكان الكل يفرح بنا عندما نأتى لزيارتهم. ومن أجل خاطرنا اضطرت أسرتنا إلى التكيف مع الأشياء الجديدة التى يفرضها علينا ديننا وإن كانوا غير متحمسين لهذه المتغيرات, فيقولون:
_"هل عليكما أن تأخذا كل شئ مأخذ الجد هكذا؟!"

إلا إنهم قد أعدوا لنا طعام على الطريقة "الإسلامية". و لأننا لا نأكل أى لحم غير مذبوح – أى مذبوح على الشريعة الإسلامية_ أعدوا لنا أسماك و أطعمة نباتية, ولم يضيفوا أى كحول على الطعام عند طهيه, لأن المسلمون لا يشربون الكحول, وأحضرت أمى ملاعق وشوك من الألومنيوم, ذلك لأن المسلمون لا يأكلون بملاعق وشوك من الفضة.
و أثناء أعياد الميلاد تقوم جدتى بإعداد أطعمة وحلويات خالية من دهن الخنزير وأدوات مائدة ليست من الفضة.
_"هذا مقعدكم مجهز بالشوك والسكاكين الخاصة بكم, وهذا طعامكم, وهذه السلطة تحتوى على سجق وكل شئ يمكن أن تأكلوه."

لقد بذلوا فعلاً مجهوداً ضخماً من أجل إرضائنا. حتى الكلب تم تقييده, ذلك لآن لعاب الكلب يعتبر نجس من وجهة نظر الدين الإسلامى.

و بَلَعَ أفراد أسرتى أمر ارتدائى الحجاب, إلا أنه كان شئ عبيطاً بالنسبة لهم أن ألبس  بطريقة "طبيعية" أمام أسرتى كأبى وأمى وجدتى وأخى وأعمامى , بيد أنى أهرع لتغطية رأسى عند وصول أزواج بنات أعمامى. فهؤلاء لا يعتبرون فى الإسلام ممن ليس لهم قرابة مباشرة.
وذات مرة سألتنى ابنة بنت عمى:
_"من فضلك اظهرى لى شعرك .. مرة واحدة فقط!"
لذا صعدت بها إلى حجرتى, وخلعت أمامها حجابى, فنظرت إلىّ لبرهة ثم قالت:
_"إن شعرك ليس جميلاً."
-"حسناً, كيف إذاً سيكون مظهر شعرى وهو مضغوط تحت الحجاب طوال اليوم؟"            

ولكن يكفى أنها قد رأت أن عندى فعلاً شعر فى رأسي.

وكان السبب الذى يُهَوِّن علىّ ذلك كله أننى بذلك أطيع الله. وأنا ممتنة لعائلتى جداً, ذلك لأنهم يقبلون وضعنا هذا كما هو.

إن فن التعايش بين أفراد الجماعة مكمنه ألاّ تتعالى على الآخرين.

أما جدتى فهى الوحيدة التى كان يقلقها بقدر كبير خلاص أرواحنا, لذا بدأت فى محاربة الشر نفسه .. "الإسلام" .. الذى انقضَّ على, وقررت أن تقتلعه من جذوره, وكانت الجذور بالنسبة لها هى محمد .. زوجى.
_"محمد, اسمعنى, نحن المسيحيون نؤمن أن المسيح هو مخلصنا, فماذا يؤمن به المسلمون إذاً؟"
_"إن لديكم مسيحيون فى مصر, أليس كذلك؟"
_" هل قرأت فى الإنجيل أبداً؟"
لقد قرأ محمد الإنجيل. لذا بدأ كلاهما فى مناقشة الإسلام والمسيحية. على الفور أصبح من الواضح فى رأيها أن محمد هو الأقرب إلى الالتزام بالأخلاقيات والسلوك الناشئ عن الدين أكثر من بقية أفراد عائلتها "الغير مؤمنين".
قالت جدتى: -"أنا لا أسمح أبداً أن يبيت شاب وشابه غير متزوجين إلى فترة متأخرة من الليل فى حجرة واحدة تحت سقف بيتى. وأنا لا أهتم مطلقاً إن كانوا أصدقاء حفيدى, وأنه مسموح لهم أيضاً بأن يفعلوا ذلك فى بيوتهم, فأين نحن إذاً؟"
إن الإيمان لا يتجزأ.
فيما بعد تكلمت جدتى مع محمد عن الموت والثقة بالله التى يحتاجها ذلك الموقف لمواجهته دون خوف.
إلى يومنا هذا تؤكد جدتى لنا مراراً وتكراراً:
_"إنى أصلى من أجلكم يا أولادى."

أعتقد أن ذلك هو الأفضل بالنسبة لها.

وما كان يثير غضبى هو اقتناعها بأن اهتمامي بمحمد كانله أكبر الأثر فى دخولى الإسلام. على كل , فإن محمد هو الذى علمنى الإسلام ,وأردد فقط ما تلقيته عنه.

ومع ذلك فأنا افتقد ذلك التسامح من جانب أسرتى داخل المجتمع. ذلك لأن الإسلام وأتباعه غير محبوبين فى ألمانيا. لذا قررت أنا وزوجى أن نفعل شئ إزاء تلك الصورة السلبية. وكان تعليق أمى على ذلك:
_"اثنان من المثاليين يحلمان بأن يغيرا العالم!"

وكنت مازلت أعتقد وقتها أنه إذا انفتح المسلمون على المجتمع الألمانى, فإن ذلك سيؤدى  بالفعل إلى تأقلم الألمان علينا, نحن المسلمون. فيكفى أنهم تعودوا على البيتزا الإيطالية والخبز التركى. فربما يأتى عليهم لحظة فيفهموا ما هو الإسلام حقاً.

فى الحقيقة, يُبدى على الأخص رجال الكنيسة _ مثل جدتى _ أعظم اهتمام  "بزملائهم"  أو "منافسيهم" المسلمين, حيث يكثر تواجدهم فى المدن الكبيرة. فهناك بعض الندوات الشبابية التى تنظمها الكنيسة يحضرها 90% من الشباب المسلمين تقريباً, لذا تجد هيئة الكنيسة صعوبة كبيرة فى التعامل مع ذلك الموقف. كما أن الممولين غير سعداء مطلقاً للصرف على تسلية وترفيه شباب "المساجد" داخل الكنائس. لذا حاولت الكنيسة أن تدخُل فى حوار مع شباب الجمعيات الإسلامية. لذا يقوم رجال الكنيسة بزيارة المساجد, وكثيراً ما ينظمون المحاضرات عن الإسلام يتحدث فيها أناس مسلمون, يدور هدفها فى المقام الأول حول بناء سبل التقارب, والتعرف على الجانب الآخر.         وكان على المشاركين أن يتفاهموا على أمل القضاء على شئ من التحامل.حتى أن الكنيسة البروتستانتية نفسها عينت أسقفاً خصيصاً للشئون الإسلامية.
وبدأتُ أنا ومحمد فى المشاركة فى الندوات التى تنظمها الكنائس والتى تتناول موضوعات إسلامية. فإن لم نكن نحن الذين نتكلم بالنيابة عن ديننا, فمن غيرنا إذاً سيتكلم ؟ّ
فكنا نتحدث عن خلق الإنسان من الأرض, ألا يتكون الإنسان من نفس العناصر الكيميائية مثل الأرض؟ إن أجسامنا سوف تتحلل إلى الأرض. كما أن ألوان كوكب الأرض تنعكس تماماً على بشرتنا.وتحدثنا كذلك عن إيماننا بالملائكة _ تلك المخلوقات التى خلقها الله من النور _ والتى تقوم بعبادته. (وإني أتسائل إن كانوا يسافرون بسرعة الضوء؟).وتكلمنا عن إيماننا بيوم القيامة, والذى سنقابل كلنا فيه الله.ولقد تكلمنا أيضاً عن الحياة اليومية, وعن الصلاة التى نصليها كل يوم , وعن الصيام فى شهر رمضان, وعن المشاكل التى نواجهها فى المجتمع الألمانى.
إن التعارف المتبادل يهدم الآراء السلبية المسبقة ويخلق نوع من التعاطف.
ذات مرة بعد أن قمت أنا ومحمد بإلقاء محاضرة عن الإسلام فى جمعية الباباوية خاطبنا رجل مسن قائلاً:
_"أنا أصلى لكما كى يهديكما الرب إلى الطريق الصحيح."
هو يقصد ذلك بالطبع, ثم جاء رد محمد عليه بنفس الطريقة الودية قائلاً:
"وأنا أدعو الله كى يهديك إلى صراطه المستقيم."
فى تلك المحاضرات لم نحاول طمس الحدود بين الإسلام والمسيحية, فلا يهم أن نجد مجالات مشتركة بين الإسلام و المسيحية, فالإسلام و المسيحية ليس نفس الشئ .على أية حال فإن كلا الديانتين مبنيتان على أسس من الوحى التى لا يمكن إغفالها.
إلا أن هذا يجب ألا يقف عائقاً أمام تحقيق التعاون بيننا, على سبيل المثال فى المسائل الاجتماعية .بهذا المفهوم كان كثيراً ما تقام  المشروعات الخيرية والصلوات المشتركة من أجل السلام.  و على الأخص كان هناك جهود تنويرية من كلا الجانبين لتيسير  الحياة المشتركة. لهذا تأتى مثلاً الرحلات المدرسية لزيارة المساجد, أو تقوم بدعوة الضيوف من المسلمين.
ولقد شاركت بنفسى فى أحد تلك المشروعات, حيث قمت فيها  بتعليم تلك الفصول أركان الإسلام, فى محاضرة كانت مدتها 90 دقيقة.
إن الأطفال جمهور جيد, فهم لم يتأثروا بعد بأبواق التحامل لما يسمعونه من آراء سلبية مسبقة عن الإسلام. لذا تجدهم يسألون:
_"أين يقيم كل هؤلاء الحجاج فى مكة؟"
أو."هل عليك أن تتوضئي بعد لعب كرة القدم؟"
أما المراهقين فيسألون أسئلة أخرى:
_"ما رأيك فى الخميني؟"
_"ما هو رأيك فى الواقع عن حقوق الإسلام ؟"

هكذا تجد أنه كلما كبر الأطفال كلما كانت أسئلتهم تشير إلى أن مصدرها تغطية وسائل الإعلام. أما ما يهم وسائل الإعلام فكلنا نعرفه بالطبع , فكلما كانت الأخبار مثيرة ومتفجرة قدر الإمكان, كلما كان ذلك أفضل بالنسبة للعائد المادى للمحطة الإذاعية. لهذا كان يتم تزييف الحقائق وتشويها, أو حذفها   برمتها. فإذا حدث إضراب للعمال فى الجزائر فإنه يصور على أنه دليل على تأييد صدام حسين فى حربه ضد الكويت, كما أن أحد ليس باستطاعته أن يقرأ اللافتة العربية التى تم تصويرها أثناء حدوث الإضراب.
وإذا رأى أحدهم زوجين مسلمين يهرولان إلى سيارتهما فسوف يكون التعليق:
_"أنظر.. إن المرأة المسلمة يجب عليها أن تمشى وراء زوجها!"
وفى القناة التعليمية يقولون أن الإســـلام جرثـــومة تنتشر من الســـودان إلى مصــــر.  كما أن  DER SPIEGEL إحدى المجلات الألمانية الشهيرة ومعناها (المرآة) تصدر أحد مقالاتها عن النساء التركيات فى ألمانيا بعنوان:عقدة فى المنشار

ومع ذلك كله يوجد بعض الأشياء الإيجابية بالطبع, على الأخص الإذاعة, فهى تجتهد فى تقديم نشرات محايدة وموضوعية. فهم يوجهون الدعوة لأناس مسلمين عندما يكون الموضوع عن الإسلام. حتى أن إذاعة جمهورية ألمانيا الديمقراطية قدمت برنامج من ثلاث حلقات عن تلاوة القرآن بالتعاون مع البروفيسور فلاطورى.

وذات مرة دعيت من قِبل التلفزيون الألمانى إلى حوار فى برنامج "تحاور معنا" والذى تقدمه المذيعة إيلونا كريستيان , وكان موضوع الحلقة "النساء والإسلام" موضوعا مثيراً وممتعا لفريق العمل أيضاً. و قد كان ذلك واضحاً جداً. وبدأت تحدث أول المشكلات فى غرفة الملابس بالأستوديو, فكيف يمكن لرجل أن يضع الميكرفون لامرأة محجبة؟ فهل يستطيع العامل الفنى تثبيت الميكروفون تحت بلوزتها؟ هيهات. لذا اكتفى العامل الفنى فقط بإعطاء الإرشادات للعاملة الفنية التى قامت بدلاً منه بهذا العمل:
_"إلى أعلى قليلاً, إلى اليمين قليلاً , ثم استخدمى اللاصق خشية أن يقع الميكروفون."
فكيف يمكن ألا يصدر عن الميكروفون شوشرة عند تثبيته فى الحجاب؟  إلا أن المشكلة قد حُلت بعد محاولات مضنية. هكذا نحن المسلمين نقوم بتحطيم الروتين اليومى. على الأقل عدم وضع المكياج وفر علينا الوقت ذلك اليوم , فالمرأة المسلمة لا تضع المكياج أمام الناس.
وبعد ذلك تمكننا من بدء الحلقة, وكانت المذيعة غاية فى الود رغم أنها وجدت بعض المشقة في التمييز بين كل منا قائلة:
_"إنكن تشبهن بعضكن البعض."
لقد كان هناك أربعة نساء غيرى دُعين إلى المشاركة فى البرنامج: طبيبة نساء سورية, وثلاثة سيدات تركيات, إحداهن تملك بوتيك, وطالبة حقوق, وطالبة ثانوية العامة. وقد دخلتا تلك الطالبتان وهن غير مرتديات للحجاب.أما الطبيبة وصاحبة المحل فكانتا مرتديات للحجاب مثلى أيضاً.

و تحول الحوار مع الطبيبة وصاحبة البوتيك إلى الحديث عن فرص العمل المتاحة للمرأة المسلمة فى الإسلام. وعلى العكس من ذلك تكلمت طالبة الحقوق عن تجاربها وخبراتها بالتقاليد فى بيت الأسرة , فهى تعتبر أن التقاليد "الإسلامية" داخل عائلتها بها كثير من الاضطهاد , ومعادية للمرأة. ولقد اجتهدت السيدة كريستيان بإخلاص فى إبراز الفرق بين التجارب الشخصية لتلك الفتاة وبين أوامر الدين الإسلامي.

طبقاً لتعاليم الإسلام لا يجوز أن تُزوج المرأة دون رغبتها, إلا أن والدى تلك الفتاة قد حاولا ذلك فعلاً. فذات مرة دعوا أحد المتقدمين لزواج ابنتهم, ولكن طالبة الحقوق الصاعدة نجحت فى التخلص منه على الفور.
_"ثم وضعت له فى الشاى ملح بدلاً من السكر."
أما الضيفة الرابعة, طالبة الثانوية العامة, تربت تربية متحررة  جدا,ً على العكس من قرينتها, فالإسلام لا يلعب أى دور فى حياتها.
أما أنا فقد وجهت لى المذيعة السؤال التالى:
_"كيف لامرأة ألمانية أن تدخل الإسلام؟"

بالطبع لم يكن يكفى بأي حال من الأحوال وقت البرنامج على حسب تقديرى للتحدث عن موضوعاً كموضوع الإسلام. وإنى ما زلت أتذكر إلى يومنا المضمون الأساسى لتلك المناقشة, والذى كان _ حسب انطباعي _  إيجابياً حقاً.

مرة أخرى قام فريق من تليفزيون جمهورية ألمانيا الديمقراطية بتصوير أحد البرامج عنى و عن محمد, ولقد تم إذاعة هذا البرنامج فى سلسلة من الحلقات بعنوان "الرب والعلم" فبعد ما كنت أنتقد أنا ومحمد دائما وسائل الإعلام, أتيحت لنا فجأة فرصة لتحسين صورة الإسلام. ولحسن الحظ كان الصحفيون يخططون لبرنامج ممتاز, لذا قضينا ساعات فى المناقشة والتحضير.
وعلى سبيل التغيير أردنا أن نقوم بتصوير الحياة اليومية للمسلم , لذا تم تصوير بعض اللقطات فى شقتنا, وأُجرى حوار معنا عن حياتنا و آرائنا عن الإسلام كذلك. وأضيف إلى مادة هذه الحلقة لقطات من شريط الفيديو الخاص بحفل زفافنا فى مصر, حيث كنا نقف محاطين بالضيوف فى الشارع أمام منزل والدى محمد وسط صوت قرع الطبول الذى كان يحدث ضوضاء تصم الأذن.
ولأن التصوير كان أثناء شهر رمضان, أراد فريق التصوير أن يأخذ لقطة ونحن نقوم بضيافة أصدقائنا على مائدة الإفطار فى أحد أيام رمضان. حتى أنه قد أخذت لقطة تصور وضعهم للحذاء أمام باب المنزل. وفريق التصوير نفسه قام بخلع أحذيته أمام باب المنزل. والكل استحسن الطعام الذى قام زوجى محمد بطهوه.
 بالمناسبة ..  محمد مازال يتفوق علىّ فى الطبخ إلى يومنا هذا.
ولقد ذُكرت تلك الواقعة فى البرنامج والتى تبرز أنه كزوج يقوم بنفسه بإعداد الطعام.
_"لقد كان النبى محمد يساعد زوجاته فى شغل البيت."
وأراد المصورون أخذ لقطات داخل الجامعة أيضاً. فى البداية كان لابد من تصوير الطريق الذى أسير فيه كل يوم إلى الجامعة, بعدها أقابل فريق التصوير فى الجامعة.
_ "وماذا تم فعله بعد ذلك؟"
_ ليس هناك شئ يقف عائق أمام فريق التصوير, فلقد ثبتوا الكاميرا فى محطة الترام وأخذوا فى انتظار قدوم أول قطار, وشرحوا للسائق أنهم يرغبون فى غلق باب الترام عند صعودى ثم فتحه مرة أخرى كى يتثنى لهم تصويرى عند النزول.
 _"هنا سنصور."
لذا توقف الناس فى الشارع وظلوا يشاهدون .. فى تلك اللحظة شعرت وكأني نجمة سينمائية.إلا أن ذلك الشعور قد تلاشى فى الحال أثناء تصويرى فى حصة اللغة العربية عندما سألنى المعلم أمام الكاميرا عن حفظى للكلمات الجديدة, والتى لم أتقنها طبعاً لانشغالي فى الإعداد للبرنامج طوال الأيام الماضية.

وكان المشهد الأخير فى المسجد, حيث أجرى حوار قصير معى أنا وصديقتى زابينه قلنا فيه جمل قليلة عن تجاربنا داخل المجتمع الإسلامي.

ومضى كل شئ على أحسن وجه, ولكن عندما جاء وقت إذاعة الحلقة جلست أنا ومحمد أمام التلفاز فى غاية القلق, فنحن لم نعلم بعد ما الذى سيتم إذاعته من بين كل تلك المشاهد التى تم تصويرها, ذلك لأن البرنامج سيكون مدته 5 دقائق فقط. كما أننا ليس لنا أى حول على القطع الخاص بالمشاهد أو التعليق على الصور.

بفضل التعاون الجيد مع المصورين صار البرنامج مساهمة رائعة. بل كان أكثر هدوء و إخلاصاً من الكثير من البرامج الأخرى التى تذيع أخباراً مثيرة عن المسلمين. ورغم مرور عدة سنوات على إذاعة البرنامج إلا إنه كان هناك أناس من الذين شاهدوا الحلقة كان باستطاعتهم التعرف علىّ فيتحدثون معى على انفراد.

على أي حال كان أسلوب هذا البرنامج مغايراً لغيره من البرامج المعتادة التى دائماً ما تنتهى بالتحامل و الآراء السلبية المسبقة ضد الإسلام مثل: الرجعية و اضطهاد النساء والعنف والحرب. ودائماً ما تتردد نفس الأسماء مثل: الخميني وصدام حسين والسودان.

 لا تعتقد أننى سلبية , وأننى لا أرى حقائق الواقع. أن تكون مسلم, فإن ذلك ليس معناه أن تفقد قدرتك على توجيه النقد.  وأنا لا أستحسن كل شئ يحدث فى العالم باسم الإسلام.فكلنا نعلم كم من الإرهاب والفساد يوجد فى بلدان "إسلامية" لكن ألم يرتكب باسم المسيحية اضطهاد للناس لعدة قرون, وتعذيب للأفراد بل وإعدامهم؟ ألم يتم القيام بهجمات واستعباد للشعوب واضطهادهم؟ فلتتأمل إذاً الحروب الصليبية, ولتفكر فى المستعمرين, ولتفكر أيضاً فى محاكم التفتيش لملاحقة الملحدين. أو فلتفكر كذلك فى الحروب بشمال أيرلندا أو فى الساسة "المسيحيين" المرتشين أو قادة الحرب "المسيحيين". (هتلر وموسولينى)
_"هل أنت مسيحى عزيزى القارئ؟"
_"كيف يمكنك أن تسمى نفسك مسيحي وأنت تؤيد كل تلك هذه التصرفات؟!"
_ "سؤال سخيف"
_" نعم .. إن معك حق .. كلنا نعلم أن الفرد ليس له شأن بأفعال الآخرين, وأن ليس كل شئ يحمل لافتة "مسيحي"تكون دوافعه "مسيحية" أو أن له علاقة بتعاليم الدين المسيحي أساساً."
إذاً فلماذا يسأل الأطفال الأتراك فى مدارسهم الألمانية عن السياسة التركية التى تنتهجها تركيا ضد الأقلية الكردية؟!
أو عن صدام حسين؟!
ما شأن هؤلاء الأطفال بذلك؟!
وما شأني أنا بذلك؟
هل يجب على أن أبرر أفعالهم, فقط لأنهم ينطقون نفس الشهادتين على شفاههم, مثلى ؟!
ليس كل شئ يحمل لافتة "إسلامي" تكون دوافعه " إسلامية" أو أن له علاقة بتعاليم الدين الإسلامي أساساً.
فلتنظر من فضلك عن قرب لما يحدث .. إنه سيكون مبالغة فى المجاملة لو اعتبرنا أن كل المسلمين أتقياء, منكرين لذاتهم, أو أن أعمالهم كلها خالصة لوجه الله. إن ذلك لا يتفق وحال الواقع. إن المسلمين بشرا أيضاَ. و كثير من المسلمين أصبح ينظر إلى الإسلام على أنه صفة ولد بها, تماماً مثل الجنسية التى يحملها.
 فلو سألت بعض الصبية الأتراك عن دينهم فسوف يكون أكثر ردهم:
_"آه.. فى جواز السفر الخاص بى مكتوب فى أحد البيانات .. كلمة مسلم."
هذا الرد معناه أنك لا تشعر بأى أثر للدين فى حياتهم  أكثر من مدلول تلك الكلمة المكتوبة فى جواز سفرهم.
كما يوجد شيوعيين "مسلمين" وعلمانيين "مسلمين". نعم.. حتى أيضا يوجد ملحدين "مسلمين" .. يكفى على الأقل أنه مكتوب فى جواز سفرهم "مسلم".
حتى أن مفهوم الدولة "المسلمة" لم يعد يعبر إلا عن: دولة غالبية عدد سكانها من المسلمين. فلا تلقى باللوم إذاً على الإسلام إذا وجدت اضطهاد فى بعض الدول الإسلامية. فعادة ما يكون السبب جزئياً أو كلياً هو السلطة والأطماع السياسية. حيث تُؤد أى معارضة فى مهدها من شأنها مس امتيازات الطبقة الحاكمة. بما فيهم أيضا المعارضة الإسلامية!بالطبع يوجد فى كل مكان مثل هؤلاء المسلمين الذين يتمنون أن تحكم دولتهم "إسلاميا", أى طبقاً للقرآن وسنة النبى محمد  _ صلى الله عليه وسلم.
و لقد شرح لى زوجى المنطق الذى تنطوى عليه تلك الأمنية, كالتالى:
_"عندما يكون عندك سيارة مر سيدس, وتعطلت هذه السيارة فجأة, لمن ستذهبين كى يقوم لك بإصلاحها ؟ هل ستستخدمين كتالوج المر سيدس أو كتالوج السيارة الأوبل أو الفورد؟ بالطبع سوف تختارين الشركة المنتجة. فكل شركة خبير ة بمنتجها أكثر من غيرها. و إذا أراد البشر أن يحسنوا من عالمهم, فعليهم استخدام كتاب الإرشادات الخاص بمن خلق هذا العالم. إن الله هو الذى خلق هذا العالم, و وهب لنا الخطوط المرشدة التى يجب أن نعيش عليها.. إنه القرآن."
إلا أن والدتى تنزعج من هذه النظرية, معبرةً:
_"إن المسلمين دائماً ما يخلطون بين الدين والسياسة..."

إننا لا نخلط الدين بالسياسة. إن الدين من عند الله, ولكن السياسة وضعتها أيدى البشر. والإسلام دين. والإسلام معناه الخضوع والإذعان إلى الله الواحد. هو الذى خلقنا وإليه نعود. وأنا أومن بكل الأنبياء التى أرسلها الله برحمته إلينا, لكى يرشدوا الناس دائماً وأبداً إلى الطريق الصحيح, مثل: آدم ونوح و موسى و عيسى ومحمد , وهذه بعض أسماء الأنبياء وليست كلها. وأومن كذلك بالكتب التى أوحيت إليهم.وأنا أومن أيضاً بأن الدين يجب أن يكون ذو أثر واضح فى حياتنا اليومية. فنحن نعيش لعبادة الله. والشاهد على ذلك من القرآن فى سورة الذاريات, الأية 56:
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"

وعلى المسلم ألا يفهم أن معنى عبادة الله فقط: الصلاة والصوم والزكاة والحج, وإنما تعنى التعلم والعمل والتراحم فيما بيننا.

"إنما الأعمال بالنيات ولكل امرء ما نوى"
فمن يفعل الخير فسوف يجازيه الله خيراً فى الدنيا و الآخرة.

وأنا أومن بالمسئولية التى يحملها كل فرد على عاتقه, مسئولية تجاه نفسه وتجاه مجتمعه, لا يهم إن كان عالم دين أو فلاح فى حقله أو تاجراً أو سياسياً. والاشتغال بالسياسة لا يتعارض مع الاشتغال بالدين. على العكس تماماً, فهما مكملان لبعضهما البعض. ذلك لأن الإنسان الذى يعرف مسئوليته أمام الله والناس لا يمكن أن يهمل دوره السياسى داخل المجتمع, سواء كان ناخباً أو ناشطاً سياسياً, أو أن يصمت ولا يبدى رأيه فيترك بذلك القرارات للآخرين.

نحن لا نخلط الدين بالسياسة, إنما نحن واقعيين فقط. إن لكل سياسى وكل ناخب معتقد _ دينياً كان أم لا _ ينعكس بالطبع على آرائه السياسية ويؤثر بذلك على تصرفاته. وهذا لا يخفى فى المجتمع الغربى. فلتتأمل برنامج العمل الخاص بالأحزاب السياسية المسيحية, فمثلاً تجد حق اللجوء السياسي, وكذلك المناقشات التى تدور حول خطورة الإجهاض.كذلك يتمنى المسلمون الملتزمون أن يدخلوا عقيدتهم فى السياسة.
إن القرآن يمنحنا خطوط مرشدة, والعهد القديم (التوراة الآن) أيضاً, به خطوط مرشدة أكثر من مثيلاتها فى العهد الجديد (الإنجيل الآن). وعندما لا يجد المسلم أى خطوط مرشدة, فإنه يقوم بالبحث عن  أى واقعة سابقة أو متطابقات يستند إليها ليبنى سلسة من المقدمات المنطقية مستخدماً فى ذلك عقله.
والشاهد على ذلك يرجع أصله إلى الحديث التالى:
"كان رجل يسمى معاذ, أرسله النبي حاكماً على اليمن, فسأله النبي على أي شئ يريد أن يؤسس عليه حكمه؟
 فأجاب معاذ:
-" على الأخذ بالقرآن."
فسأله النبي:
-"و إن لم تجد به أى قواعد للحكم؟"
 فرد معاذ:
-"سأقوم بالحكم بسنة النبى؟"
فسأله الرسول:
-"وإن لم تستطع إيجاد أى قواعد للحكم بالسُنَّة؟"
فرد معاذ:
-"إذا فسوف أفكر وأحكم برأيي الخاص."
هنالك رفع النبى يديه وقال:- "الحمد لله الذى أهدى النبى الرسالة."

_"تسأل عن الأقليات تحت الغالبية المسلمة الحاكمة؟"
_"أى أقليات تقصد؟"
الحمد لله..فالإسلام ليس له أى شأن بموضوع العنصرية لحسن الحظ. محمد, نبى الله, عبر عن رأياً  كان يعد ثورياً داخل المجتمع العربى فى عصره:
"كل البشر سواسية أمام الله" , ويذكر فى القرآن الآية 13من سورة الحجرات:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "

ليس العرق ولا النسب ولا الوطن ولا الثروة و لا القوة ولا الجنس شئ هام, الأفضل أمام الله هو الأكثر تقوى.لذا كان ممكناً لأفريقى أسود,أحد العبيد فيما مضى, أن يصبح أول مؤذن. أو أن تتولى امرأة منصب حكم للسوق, حيث تقوم بفض النزاعات بين التجار. أو أن تصبح معلم للدين.
قال النبى محمد _ صلى الله عليه وسلم:
-" أطيعوا سيدكم, ولو كان عبداً حبشياً"
أى قوة تكمن فى هذا الموقف!
فكل فر د.. أياً كان هذا الفرد  يمكنه المشاركة بقدراته من أجل كل أفراد المجتمع.

_ "ولكن ماذا عن الأقليات الدينية؟ ماذا عن غير المسلمين؟
_ "إن الدولة الإسلامية دولة تقوم على الشريعة. قال النبي محمد  صلى الله عليه وسلم : -"عليكم بطاعة الأمر طالما أنه لا يتعارض مع الشرع والقانون."

مثل هذه الأقليات مكفول لها الحماية. القرآن يضمن لهم حياة كريمة واستقلالية تشريعية محصورة عليهم, وكذلك المساواة أمام القانون.

أما بالنسبة للزكاة, الفريضة الإسلامية, فعلى كل مسلم , رجل كان أو امرأة, أن يدفع قدراً محدداً عن ثروته, أما بالنسبة للمواطنين من غير المسلمين فليس عليهم دفع الزكاة.وهم أيضا فى حِل من تأدية الخدمة العسكرية.بمعنى أدق, هم بإمكانهم دخول الجيش, كما أنه ليس فرضاً عليهم.
والسبب فى ذلك بسيطاً جداً, وهو أنه ليس من المنتظر من غير المسلمين أن يضحوا بحياتهم  فداءً لتلك المبادئ التى يحارب من أجلها المسلمون.
وعلى الجانب الأخر فإن كل مواطنى الدولة الإسلامية بما فيهم غير المسلمين تشملهم بالطبع حماية الجيش. كما أنهم يتمتعون أيضاً بنفس المزايا, مثل الصحة والتعليم وفى حالة النوازل فإنهم يحصلون أيضاً على مساعدات اجتماعية.

و من أجل إحداث موازنة بين تلك الخدمات فإنه يجب على الذكور  ممن هم فى سن التجنيد من غير المسلمين, ويرغبون فى عدم تأدية الخدمة العسكرية, فعليهم دفع "البدلية" إلى الدولة لو كان فى استطاعتهم ذلك مادياً. ويتدرج مقدار تلك " البدلية" _ مثل الزكاة الإسلامية _ حسب ثروة كل فرد, وتوضع تحت بند أموال الزكاة.

وفى مجال العمل, فإن غير المسلمين لهم نفس الفرص فى تقلد المناصب كالمسلمين. فنجد أن المسيحيين بإمكانهم تقلد المناصب فى البلدان الإسلامية حتى منصب الوزير. ليس بإمكانهم فقط تقلد منصب رئيس الدولة, وذلك شئ لا يدعوا إلى العجب طبعاً, ذلك لأن الرئيس يمثل الشعب. لهذا تجد مثلاً أنه يمكن فى الأرجنتين انتخاب أحد أتباع الكنيسة الكاثوليكية كرئيس للدولة أو نائب للرئيس, كما أن الملوك ليسوا أحراراً فى اختيار مذهبهم الدينى, فملك السويد على سبيل المثال كان عليه أن يعتنق المذهب البروتستانتى, وهو المذهب العام للمملكة, وملك اليونان عضو فى الكنيسة الشرقية الأرثوذوسكية, و ملك تايلاند يعتنق البوذية.
 لابد من احترام المشاعر الدينية لكل شخص .. يمكننا أن نقرأ فى القرآن الآية 108من سورة الأنعام:
"َلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون"

الاحترام تجاه "أهل الكتاب" أى أتباع الديانتين النصرانية واليهودية. فطبقاً لمنطق الإسلام يرتبط الإيمان بكل أنبياء الله و بالكتب التى أوحيت إليهم ارتباطاً وثيقاً بالله نفسه. يذكر فى القرآن الآية62 من سورة البقرة:

"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ"

هكذا يصلح نفس المعيار لكل البشر, وهو:
 آمن و اعمل الخير .. الحساب يكون وسيظل لله وحده.

أما حرية ممارسة الشعائر الدينية فيضمنها الإسلام بالطبع لغير المسلمين. فإن تزوج المسلم بيهودية أو نصرانية فإنه يكفل لها حرية ممارسة شعائرها الدينية. فمثلاً على الزوج المسلم أن يمكِّن زوجته النصرانية من حضور دروس الآحاد, بل ويجب عليه اصطحابها بنفسه إلى الكنيسة.
بينما يحرم زاوج المرأة المسلمة برجل غير مسلم, ذلك لأن الرجل غير المسلم لن يكون عنده أدنى احترام لتعاليم دين زوجته,فيؤدى ذلك إلى الخوف من تهديد حرية المرأة المسلمة فى ممارسة شعائر دينها بزواجها من غير المسلم. كما أنه لا يوجد أى ضمان لحقوق الزوجة فى مثل هذا النوع من الزواج.
و لا يُجبر غير المسلمين على اتباع تعاليم الدين الإسلامى.طالما أنها تختص بالأمور الشخصية. لذا يسمح للمواطنين النصارى فى أى بلد إسلامى بشرب الخمر, بينما لا يسمح للمسلمين. والنصارى مسموح لهم بالأكل أثناء نهار رمضان, وتستطيع المرأة النصرانية أن تلبس ما يحلو لها, ولكن من فضلك ليس جهاراً فقط أمام الناس!
_"هل تعتبر ذلك تقييداً للحرية الشخصية؟"
من حق كل دولة تقييد الحرية الشخصية لمواطنيها وما يتوافق مع الشعور العام للمجتمع فى مسائل الصواب والخطأ.

_"أوامر الثياب؟"
_"حسنا, حاول مرة أن تذهب للتسوق فى بلدك وأنت غير مرتدى لأى ملابس؟ ماذا تعتقد أن يحدث؟"
فى ألمانيا سيطلقون على هذا التصرف إثارة للضيق العام. و ما يتسبب فى إثارة غضب الناس تقوم بتحديده السلطة الشرعية التى تنوب عن الشعب. وذلك يكون شئ لا خلاف عليه فى بلد غالبية عدد سكانها من المسلمين.
كل دولة لها الحق فى وضع الحد الفاصل بين المسموح والممنوع حسب مشاعر مواطنيها.
_"حظر شرب الخمر؟"
فىالولايات المتحدة الأمريكية بدأت منذ بداية القرن العشرين غالبية تؤيد حظر شرب الخمر. وفى الوقت الحالى نجد ما يطلق عليه حظر التدخين فى المبانى العامة والمؤسسات الحكومية. وكذلك ما يطلق عليه "بالمخدرات" محظور تعاطيها عملياً فى كل مكان فى أنحاء العالم تقريباً. ولكن أيضاً فى هذا الشأن كل دولة لها الحرية فى وضع تشريعاتها الخاصة بها, كما حدث على سبيل المثال فى هولندا الحرة.

_"احترام مشاعر المسلمين أثناء الصيام فى نهار فى شهر رمضان؟"
هل تعلم أن الدولة الألمانية تفرض على مواطنيها _ لا يهم أى دين يتبعون _ باحترام الأعياد المسيحية؟ فتجدا مثلاً أنه فى أيام الآحاد و الأعياد تغلق المصانع ونوادي الفيديو كذلك وأماكن غسيل السيارات. وفى أعياد "الصمت" لا يسمح من الساعة 5 صباحاً حتى 1 ظهرا,ً أو من 5 صباحاً حتى 6 مساءً للمحلات والأسواق بالعمل, أو أن تقام المناسبات الرياضية و الاحتفالات الشعبية كذلك. أما الأشخاص الذين يربون حيوانات صغيرة مسموح لهم بإقامة المعارض ولكن محظور عليهم عزف الآلات الموسيقية. حتى نقل الأثاث إلى المنازل محظور فى تلك الأيام.

إن الكنائس فى ألمانيا تعد رمزاُ. هل تعلم أنه لا تعطى أى تصاريح بالبناء فى الأماكن القريبة من الكنيسة, بحيث يصبح المبنى أعلى من برج الكنيسة؟
وهل تأملت مثلاً  لماذا يكون إقامة الآذان محظورة مقارنة بأجراس الكنائس فى ألمانيا؟
كل دولة لها الحق فى حماية الشعور الدينى لمواطنيها, وكذلك الدولة الإسلامية. وطالما أنه لا يتم التعدى على الشعور العام فإن تلك القاعدة الإسلامية التى ذكرت فى القرآن تنطبق على كل من اليهود والنصارى:
"وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِي"  (المائدة: 5)

ومغزى الآية أن كل جماعة دينية عليها الاعتماد على كتبها المقدسة. من خلال ذلك ينشأ نوع محدود من الاستقلالية التشريعية, خاصة تلك التى تنطوى على شئون العائلة والميراث. فالرجال من النصارى مثلاً غير مسموح لهم بالزواج من أربعة نساء داخل الدولة الإسلامية , وإنما واحدة فقط وفق ما تفرض عليهم تعاليم الكنيسة.
وألمانيا كذلك تضمن استقلالية تشريعية للطوائف الدينية, ففى القانون 137 , فقرة 2 من طبعة "Weimar" _ جزء من الدستور الألماني _ ينص على:
"كل طائفة دينية تختار  وتنظم مناسباتها الدينية بنفسها, داخل الحدود التى يشرعها قانون الدولة. كما يجب عليها توزيع وظائفها دون مشاركة الدولة أو الجمعيات الوطنية."

فلتتأمل قانون الكنيسة!
إن الكنائس المسيحية لها الحق فى البت فى شئون أتباعها والاعتراف بعقود الزواج والطلاق أو استغلال ضريبة الكنيسة التى تقوم الدولة بجمعها لهم. ذلك لأن الكنيسة تعين موظفين و عمال. والحكومة تدفع مرتبات للوعاظ الدينين الذين يتم استخدامهم للوعظ فى المدارس _ لكن مسألة تعيينهم أو طردهم تتم فقط بواسطة الكنيسة, مثلما حدث فى قضية طرد الواعظة الكاثوليكية والتى ضربت بقانون الكنيسة عرض الحائط حين تزوجت برجل مطلق.

هناك مثال أوضح على الاستقلالية التشريعية يسمى بـ:  (البث دن :   Beth Din)  اليهودى (معناها البت بالدين, والله أعلم). إن "البث دن" هو ساحة للقضاء اليهودى تقوم بالبت فى مسائل تخص الجالية اليهودية نفسها, مثل القرار الذى يؤخذ فى مسألة من هو اليهودى أو غير اليهودى, أو فى صلاحية الزواج والطلاق, والنزاعات التى تنشأ بين أفراد الجالية اليهودية مثلما يحدث فى الشئون التجارية, هنالك يحكم القاضى فيما بينهم بما تقتضيه الشريعة اليهودية, مستقلاً بقضائه عن الدستور الأساسى للدولة.

وفى الوقت الحالى تملك الجاليات اليهودية الـ (البث دن) فى الكثير من البلدان الأوروبية. ففى ألمانيا يوجد عندنا محكمة يهودية منذ عام 1994 مقرها مدينة ميونخ. وطبعاً يكون قانون الدولة الأساسي له اليد الطولى عند حدوث نزاع بين يهودي و غيره من أصحاب الديانات الأخرى.
و بالطبع تماثل تماماً وظيفة الـ"البث دن" فى ألمانيا النموذج الإسلامي لاستقلالية القضاء الدينى, فشئون الطائفة تحل طبقاً للشريعة الخاصة بتلك الطائفة. أما القانون العام فهو متاح لكل فرد فى الدولة, فهناك مساواة أمام القانون لكل المواطنين, لا يهم أى دين يتبعون.

أما فضل الإسلام  فى التسامح تجاه الأقليات الدينية ثابت تاريخياً. فأفضل ملحمة للتسامح نسوقها فى هذا الصدد, هى فترة الحكم العربى فى أسبانيا والتى تمتعت فيها أسبانيا تحت مظلة الحكم الإسلامى بفترة ازدهار فى مجال العلم والفن , أثرت أوروبا كلها ثقافياً, فى وقت كانت تعيش فيه أوروبا فى الظلام.
الفضل فى ذلك التطور يرجع فقط إلى التعايش السلمى والتعاون بين المسلمين والمسيحيين واليهود تحت مظلة الحكم الإسلامى. 800 عام من الإسلام فى أسبانيا, تم تدمير كل أثر لها فى وقت قصير على يد حركة Reconquista المسيحية.
وماذا حدث للمسلمين هناك؟
على العكس من ذلك بقيت الأقليات اليهودية على قيد الحياة تحت ظل 1500 عام من الإسلام. ففى المغرب تجد أحفاد هؤلاء اليهود, الذين فر أجدادهم من حملة التطهير العرقى على يد الـ Reconquista  الأسبانية, ووجدوا طريقهم عبر البحر المتوسط إلى شمال أفريقيا المسلم.

و فى مصر يوجد بطريرك الكنيسة القبطية, و فى القدس يوجد مقر الكنيسة الأرثوذسكية. كما أن الكنائس فى الدول الإسلامية ظلت لقرون طويلة دون أن تمس. وما بقى منها إلى الآن من كنائس و غيرها من المؤسسات المسيحية دليلاً دامغاً على بقاء المسيحيين  إلى الآن على قيد الحياة.
والمسيحيين جزء كبير من نسيج المجتمع, فالتلاميذ المسلمون يذهبون لمدارسهم مع أصحابهم المسيحيين, والأمهات المسلمات يشترين حاجاتهن من محلات البقالة المسيحية القريبة من منازلهن, كما أن الآباء المسلمون يتحدثون مع جيرانهم المسيحيين فى شئون السياسية المحلية.
وبالرغم من الـ  Reconquista والحملات الصليبية والصراع ضد القوى الاستعمارية المسيحية, ظل المسيحيون والمسلمون يعيشون فى سلام, حيث لم تؤثر طموح تلك القوى السياسية على التسامح الدينى بين أفراد الديانتين.
_"تعتقد أنه غير مسموح للفرد فى أى دولة إسلامية أن يفتح فمه؟"
_"كيف يحدث ذلك؟"
طبعاً يوجد فى أى دولة إسلامية الحق الأساسى فى حرية التعبير عن الرأى. فقط من يسئ استخدام حق الحرية فى التعبير , خاصة حرية الصحافة وحرية التعليم وسرية البريد والاتصالات الهاتفية والملكية الخاصة أو حق اللجوء السياسى من أجل محاربة الدستور الأساسى للدولة, فإنه بذلك يضيع كل هذه الحقوق.

إن حرية الرأى لا تعفى من مسئولية الولاء للدستور. يمكنك أن تتقصى حقيقة ذلك وغيره فى الدستور الألمانى مادة 18 "إضاعة الحقوق الأساسية" وكذلك المادة 5  "حرية لآراء"  فقرة 3.

ما هو الخطأ فى حقوق الإنسان الذى جعل الناس لا تستطيع تحديد مفهومها؟ مما جعلها غير قادرة على ملائمة ظروف كل عصر؟ مثلما يحدث الآن من النازيين فى ألمانيا؟ أو العنصرية الموجودة فى جنوب أفريقيا؟  إن حقوق الإنسان لا يمكن محوها بواسطة  تلك الغالبية المكونة من الثلثي لدينا هنا فى  ألمانيا.


إن حق اللجوء السياسي لا يتبدل و لا يتغير, والقرآن قد نص عليه فى سورة التوبة , الآية 6:
"وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ"

حتى إن ذلك ينطبق على العدو المباشر كما فى حالة الحرب.
 وأيضاً ينص القرآن على حرية العقيدة كما فى سورة البقرة , الآية 256:
"لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"
وكذلك المساواة أمام القضاء كما فى سورة النساء , الآية 135:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"

وكذلك الحق فى الحياة كما فى سورة الأنعام , الآية151:
" وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ "

وفى الدستور الألمانى ما يطابق ذلك, كما فى المادة 2, فقرة 2 التى نصها:
"كل شخص له الحق فى الحياة, والسلامة الجسمية.و لا تنتهك حرية الفرد. و لا يتم التعدى على تلك الحقوق إلا بما يسمح به القانون."

_" تسأل عن الحق فى المعاقبة؟"

بالطبع يوجد فى الدولة الإسلامية قانون يسمح بالعقوبة. نحن نعيش فى الواقع.              و بالطبع يوجد أيضاً من بين المسلمين لصوص وخونة وقتلة. و يذكر فى القرآن فى سورة الحج,الآية 40:
"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا "

إن من واجب الدولة حماية مواطنيها وحماية حقوقهم كذلك, فهى تتعقب الجناة, ولها الحق فى محاكمتهم أمام ساحة القضاء.

_"هل تعتبر أن بعض العقوبات مبالغ فيها, وأنها قديمة لا تواكب العصر؟
     ماذا تقصد على سبيل المثال؟
"عقوبة الرجم لارتكاب الزنا؟"
إن عقوبة الإعدام موجودة فى كثير من البلدان بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية, قدوة العالم الغربى. وهذا مايراه الدستور الألمانى _ نظرياً _ من خلال قانون  "إمكانية الحق فى الاعتداء على الحياة". إلا أن قتل النفس لا يعد شئ سهلاً, فيذكر  فى القرآن فى سورة  المائدة, الآية رقم 32 :
" مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا "

و السُنة تحدد 3 ظروف فقط للقتل تستطيع المحكمة من خلالها إصدار الحكم بالإعدام. وظروف القتل هذه تهدد بدورها كيان النظام فى أى دولة إسلامية.
أول هذه الظروف: النفس مقابل النفس .. إن القتل العمد لا يهدد فقط الحق فى الحياة لكل مواطن  وإنما بإمكانه أيضاً أن يؤدى إلى سفك الدماء, مهدداً بذلك السلام الذى تعيش البلاد فى ظله. فلم يكن هناك عقوبة للقتل العمد  غير الإعدام. ولقد نص القرآن على ذلك فى سورة البقرة , الآية 178و 179:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)"

ثانى تلك الظروف: الارتداد عن الدين. أى فى حالة ترك المسلم لدينه.فلو سُمح لمن ارتدوا عن عقيدتهم بحرية التمرد داخل الدولة الإسلامية حيث اختارت هذه الدولة الدين دستوراً لها, فأقل شئ يمكن أن نطلقه على ذلك الارتداد هو العصيان والتمرد على الدستور العام للدولة, إن لم يعتبر ذلك خيانة عظمى.
وإذا لم يتوب المتمرد ويعود إلى صوابه ويعلن طاعته للدستور, فإن القضاء لا يكون بوسعه إلا أن يصدر حكم الإعدام على ذلك  الشخص, وهذا يحدث فى دول أخرى كثيرة أيضاً.
ثالث هذه الظروف: ارتكاب المحصن للزنا .. إن الزنا يدمر كيان الأسرة, ويهدد بذلك أواصر الترابط الاجتماعي. إن الزواج والعائلة يتمتعان بحماية خاصة من قبل الدولة, فلتقرأ حرفياً الدستور الألماني بالحرف الواحد فى المادة 6 , فقرة 1.
ويصدر الحكم بالرجم داخل الدولة الإسلامية عقوبة على ارتكاب الزنا إذا وُجد 4 من الشهود حسنى السمعة, شاهدوا بأعينهم واقعة الزنا, وهذا صعب حدوثه إلا إذا حدث ذلك جهراً. و فى هذا إهانة للأخلاق والتقاليد. وإذا لم يتمكن إلا من إحضار 3 شهود فقط, هنا يمكن توجيه تهمة القذف لهؤلاء الشهود, وعقوبة القذف رادعة. والزوج نفسه إذا شاهد زوجته وهى تزنى فمن حقه فقط أن يطلقها وليس من حقه أن يحاكمها, هذا إذا وجد 3 شهود فقط. وأعتقد أن الحكم بالإدانة على الزنا لن يمكن إصداره إلا من خلال الاعتراف الشخصى فقط. وقد يحدث ذلك , لأن المسلم يؤمن بأن العقوبة فى الدنيا تمنع عنه العقوبة فى الآخرة.

"اللواط والزنا" بالمناسبة , صار يعاقب عليه القانون فى ولاية Idaho بألمانيا.       وطبقاً لما ذكرته مجلة  DerSpiegel أنه قد أعيد استخدام قانون أصدره الدستور عام 1921كان ينص على معاقبة الزنا بين الغير متزوجين بوضعهم فى السجن مدة تصل إلى            ستة شهور.

_"قطع اليد, عقاباً على السرقة؟"
إن منطق هذه العقوبة لا ينطوى فقط على تحذير الآخرين. هل عايشت مرة وعرفت ماذا تعنى كلمة السجن؟ أنا أعتقد أن أسوأ شئ للسجين هو الشعور بالعزلة.
أن تعزله عن الناس من حوله وعن من يحبهم أيضاً, هذا معناه أنه لن يعانى ذلك لوحده فقط, وإنما عائلته أيضاً. وبرامج الإصلاح الاجتماعى _ من المفترض _ أن تساعد السجين داخل السجن على إعادة تنظيم حياته بعد قضاءه لمدة العقوبة, أو بمعنى أصح ما تبقى من حياته. أما قطع اليد فيبدو وكأنه نوع من "إصابة عمل" أو أنه أصيب فى حادث. ويمكن للسارق أن يظل موجوداً بين أهله, ويحصل بذلك على فرصة كى يبدأ فى الحال بداية جديدة. حتى وإن لم يكن هناك سبب غير ذلك, فيكفى أن تلك العقوبة حماية من العودة إلى الجريمة مرة أخرى. إن تلك العقوبة ليست فقط حماية للمجتمع من المجرمين, ولكنها حماية للمجرم من نفسه أيضاً.

ولا تظن أن تلك العقوبة تنطبق على كل سارق صغير. فعند إصدار عقوبة قطع اليد يوضع اعتبار كبير لقيمة الشئ الذى سرقه الجانى, والذى عاود لسرقته دون سبب جلى يضطره لذلك. وورد عن ثانى الخلفاء الراشدين عمر   أنه أرجأ تنفيذ حكم قطع اليد لفترة من الزمن عندما تفشت المجاعة فى البلاد.و السرقة من خزينة الدولة بالمناسبة مستثناة من تلك العقوبة. ذلك لأن ما تملكه الدولة هو ملك الشعب, والسارق جزء من الشعب. فهو بطريقة ما يسرق نفسه, على الأقل فهو له نصيب فى تلك الأموال. ولا تندهش إن كان اللص ليس من واجبه رد المبالغ المسروقة.

_"والقانون المدنى؟ هل يسمح للرجال بضرب زوجاتهم؟"
يذكر فى القرآن تلك الآيات التى تتلى كثيراً فى هذا الشأن من سورة النساء :
"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)"
وحقاً, إن هاتين الآيتين تجسد طبيعة الزواج فى الإسلام. إن الرجل يحمل مسئولية الزوجة و الأبناء على عاتقه, وينفق كذلك عليهم من ماله الخاص. وهو ينتظر فى مقابل ذلك طاعة زوجته و إخلاصها له, وألا تكون سبباً له فى أى أذى.

يا لها من مثالية!

فما العمل إذا انحرفت العلاقة الزوجية عن تلك المثالية و حدث صراع بين الزوجين؟ إنك لتجد أى زوجين _ حتى ممن هم من أحسن العائلات _  يتشاجرون فيما بينهم. وللأسف تنتهى تلك المشاجرات الزوجية فى كل أنحاء العالم بصورة زوجة باكية وزوج مكسور الفؤاد قد فقد السيطرة على مشاعره فى لحظة غضب جامح, فضرب زوجته.

وعلماء النفس يحاولون إيجاد سبل لهؤلاء الرجال لكبح جماح الغضب عندهم:
_"تكلم عن مشاكلك"
_"حاول أن تبتعدا لفترة عن بعضكما."

بالضبط, ولا شئ غير ذلك يصنع القرآن حينما يحدد الوسيلة لمواجهة المشاكل الزوجية:
" فَعِظُوهُنَّ"
" وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ"
بهذا تخمد نار الغضب. ولا ينبغى اللجوء إلى " وَاضْرِبُوهُنَّ" فى المقام الأول مطلقاً.

قال النبى محمد  :
 _  " دخل عدد من النساء على أهل بيتى بالشكوى من المعاملة السيئة من أزواجهن. هؤلاء "الرجال" ليسوا من خياركم."
"...... وخياركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلى." مطلوب الحديث
و قال :- " ليس القوى بالصرعة, ولكن القوى من يملك نفسه عند الغضب."
وفى حالة عدم قدرة الزوجين على حل مشاكلهم, يتم استدعاء وسيطين من كلا الجانبين. بهذا يظل الخلاف داخل جدران العائلة, و لا ينكشف أمره فيعلمه الناس. ويكون الهدف الأسمى لذلك هو حماية الزواج والأسرة.ولكن إن صار الأمر معقداً و كان الطلاق لابد منه. فإن القرآن يحبذ أن يتم إسدال الستار على العلاقة الزوجية فى طهر. كما فى سورة الطلاق:
"فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2)"
-" هل مسموح للمسلمين بالزواج بأربعة نساء فى نفس الوقت؟"
إن هذا ليس فرضاً, ولكن رخصة لها موقف خاص بها, فيذكر فى القرآن فى سورة النساء : "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا(3)"
على هذا فإن القرآن ينصح بالعدول عن الزواج بأكثر من امرأة , كما أن النبى محمد طلب من ابن عمه, علىّ ابن أبى طالب  ألا يتزوج بامرأة ثانية على ابنته فاطمة.

ولكن فلتلقى أيضا نظرة على الواقع  .. ولتفكر أيضاً فى مصير الأطفال  التى تننتج من العلاقات الغير شرعية. بالتأكيد يضمن لهم القانون الألمانى نفس حقوق الأطفال الشرعيين. ولكن ما الحل إذا أرادت الأم ألا تبوح باسم الأب مطلقاً؟  فكيف إذاً يضمن الدستور فى المادة 6 فقرة 5, التى تنص على:
( نفس المطالب الجسمية والنفسية فى فترة تربيتهم.)
ففى صيف عام 1996 تم مناقشة القضية التالية فى الدستور وهى: هل للابن الحق فى معرفة أبوه الذى أنجبه أم لا؟  ورفعت الأمهات اللاتى يخشون من خرق شئونهن الشخصية الأمر إلى ساحة القضاء. ولكن ماذا عن حقوق الطفل؟
وماذا أيضاً عن حقوق الأب الذى ربما لا يعرف أن ذلك الطفل هو ابنه؟
من فضلك, اخبرنى .. أليس من الأفضل أن نصحح من تلك العلاقة "الثانية" الغير شرعية ونجعل منها علاقة زوجية؟
كى لا يفقد القانون حيويته يجب أن يتخذ الواقع وجهة له. فالمشاكل التى بين أيدينا لا تحل أبداً بغض الطرف عنها. نحن بحاجة فعلاً إلى قوانين عملية. وتلك القوانين .. تتيحها الشريعة الإسلامية.

_"ربما إنك سمعتى أن الإسلام لا يمنع الرق؟"
هذا صحيح من الناحية النظرية. لقد كان الرق موجوداً فى عصر النبى محمد _ صلى الله عليه وسلم _ داخل المجتمع العربى آنذاك, وكان يعتبر شيئاً طبيعياً, كما أنه كان موجوداً فى بقية أنحاء العالم. لذا كان يكثر وجود العبيد.
إن الإسلام كان يضمن لهم حقوقهم الشرعية, والتى لم يكن يمنحها لهم نظام الرق, فتغيرت صورة الرق فى واقع الأمر نتيجة الحقوق التى منحها الإسلام لهم.

أن تكون عبداً, ذلك شئ لا يعد عيباً. لقد كان من بين العبيد معلمين وفنانين مشهورين, منهم من ارتقى المناصب داخل الدولة. وكان من حقهم عتق أنفسهم من خلال العمل. لهذا صار عتق الرقيق عملاً صالحاً وفُرض تكفيراً للذنوب. وكانت أموال الزكاة تنفق فى تحرير رقاب العبيد كما ذكر فى سورة التوبة , الآية 60:
"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"

أما إذا تم استرقاق مواطنين أحرار فهذا مُحرم. هكذا صار الرق يفقد مكانته تدريجياً داخل المجتمعات الإسلامية.على العكس من ذلك تجد أن الولايات المتحدة الأمريكية حاولت فى أواخر عقود القرن الماضى تحسين وضع العبيد داخل أرضها, فاضطرها الأمر إلى خوض حرب أهلية مريرة.وما ذلنا  إلى وقتنا هذا نلمس نتائج تحرير العبيد داخل المجتمعات الأمريكية! فتجد أن الزنوج الأمريكان من الذين تم استجلاب أسلافهم من أفريقيا يمثلون الطبقة الاجتماعية الدنيا على نطاق واسع داخل أمريكا, ويحصلون على فرص تعليم أقل, ويحصلون على الوظائف الرديئة فى سوق العمل داخل المجتمع الأمريكى. أما عن المساواة فى  بقية المجالات, فليس ذلك مجالاً للنقاش.

_"ويبدو أنك سمعتى أيضاً أن الإسلام دين حرب؟"
إن الإسلام يؤيد تماماً الحق فى الدفاع عن النفس. يذكر فى سورة الحج , الآية 39:
"أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"

كل شخص له الحق فى الدفاع عن نفسه وأسرته وماله. وإذا صار التهديد موجه إلى كيان الإسلام نفسه ووجوده فإن ذلك الحق يصير فرضاً .. تحرك كامل وحرب شاملة ضد العدو. ذكر فى سورة البقرة , الآية 216:
"كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"

وإنك لتجد بصعوبة حتى فى الغرب أناس من إذا ضربتهم على خدهم الأيمن أعطوا لك أيضاً خدهم الأيسر. وإلا لما اضطر الغرب للإنفاق بإسراف على برامج التسلح فى عصرنا الحالى.وبالطبع لا يعتبر حق الدفاع عن النفس  هو الضوء الأخضر لارتكاب جرائم الحرب. إن القرآن واضح فى هذا الشأن. كما فى سورة البقرة , الآية 190:
"وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ"

لقد كان الهدف دائماً هو إعادة إقرار الحق والنظام والسلام. أما أعمال الانتقام و العداءات الموروثة لا تتفق ومنطق الإسلام كما فى سورة البقرة الآيتين 192 و 193:
"فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193)"
وكذلك الآية 61 من سورة الأنفال:
"وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"
وكذلك الآية 6 من سورة التوبة:
"وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ"

أما الكلمة التى يكثر دائماً ذكرها فى وسائل الإعلام  "الجهاد : JIHAD" تشير إلى كل الجهود التى تبذل لإرضاء الله. ويتصل معناها بمحاربة الكسل والفتور الذاتى أكثر مما يتصل بالمواجهات العسكرية.

والإسلام لا يعرف أى نوع من التبشير الإجباري أيضاً. يذكر فى سورة البقرة , الآية 256:
"لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"

نحن بالطبع نأمل لكل إخواننا فى العالم الخير, كل الخير .. والخير من وجهة نظرنا معناه الإسلام. ولكن التبشير فى الإسلام يسمى "دعوة" .. دعوة إلى الإيمان.
نحن نحكى لك عن الله و عن الإسلام. بعدها يمكنك أن تفكر بمفردك. ولا نعرف شيئاً عن غسيل المخ. لهذا لا يوجد عندنا جمعيات من حولنا _ على حد علمنا _  تقوم بشحذ الهمة الذاتية للمرتدين.

لا أحد يحاول أن يجبرك على شئ لا تريده. وأن يكون للمسلمين الذين يعيشون فى ألمانيا حكومة الأغلبية وهم يبلغون 3% فقط  من جملة عدد السكان .. فذلك أمر غير واقعى.نحن نطلب منك فقط أن تستخدم عقلك الذى أعطى لك. و أحذر من التسرع فى الحكم بالإدانة على الناس. فلتتفكر فى ذلك ولتتحدى الإسلام. وخذ المعلومة من مصدرها الأصلى قبل أن تكوِّن أى رأى خاص بك.
وأعظم نقد يوجه دائماً إلى الشريعة الإسلامية هو قدمها.
عجباً!
هل كل شئ قديم يكون سئ بالدرجة؟
كيف ذلك والقانون الرومانى نفسه المسمى بـ :Corpus Juris Civilis  والذى أُسس عليه دستورنا فى الغرب يرجع أصله إلى القرن السادس الميلادي أيضاً. والوصايا العشر التى علمها النبى موسى   لشعب إسرائيل يرجع تاريخها إلى القرن الثانى قبل الميلاد, ما زالت تستخدم حتى الآن أيضاً.
يبدو أن طبيعة الإنسان نفسها فى آخر ألفيتين هى  التى لم تعد قادرة على التطور على عكس ما كنا نظن.
فلتفكر من فضلك.
 ولتتأمل فى ذلك.
ولو مرة.