الزواج فى الإسلام


وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون  (الروم : 21 )

فى تلك الأثناء سارت الحياة اليومية فى الجامعة كالعادة على وتيرتها. اتصلت بى صديقتي هايدى مساء اليوم الذى ذهبت فيه إلى الجامعة بالحجاب لأول مرة, واعتذرت لى عن عدم مجيئها, وسألتني على الفور:
"و أنتى؟ هل ذهبتى بالحجاب؟ احكى لى ما حدث!"
فحكيت لها أنه لم يكن هناك أى شئ البتة, ففرحت هايدى جداً, وبالفعل جاءت بالحجاب فى نفس الأسبوع إلى دورة اللغة العربية .. وهكذا صرنا اثنتين.          
وبعد فترة قصيرة من الزمن صار الحجاب شيئاً عادياً بالنسبة لى. وعدت أهتم ثانية بدراستى. فتعلمت وتعلمت وتعلمت, على الأخص فى دورة اللغة العربية التى استهلكت منى وقتاً كبيراً للغاية. وللأسف كانت النتيجة مخيبة لظني. فرغم أننا أردنا تعلم تحدث   اللغة العربية فى أسرع وقت إلا
 أنه كان يجب علينا أن ندرك أن الدراسة الأكاديمية شيئاً  نظرياً للغاية, ولا تحقق ذلك الهدف.وعلى العكس من ذلك كانت محاضرات البروفيسور فلاطورى أكثر تشويقاً, لذا واظبت على حضورها بانتظام. وبمرور الوقت تعرفت على بقية الطلبة من المسلمين.

أكبر جزء من وقتى قضيته مع محمد ..جارى المصرى. فلقد وجدت فى محمد شخصا أبدى اهتماما رائعاً فى حياتى كمسلمة. لقد عرفنا بعضنا البعض بطريقة ممتازة, لدرجة أننى لم أعد أتخيل حياتى بدونه. فلقد أحببته ولا أريد أن أفتقده بعد الآن. 
هذا مرجعه إلى نفس الشعور المتبادل الكامن بداخلنا .. لهذا لم يكن ذلك مفاجئ لى عندما جاء محمد آخر الصيف وسألنى هل أوافق على الزواج منه. فلقد كان من المتوقع أن تنتهي صداقتنا بالزواج طالت أم قصرت. فلا يوجد مسلم ملتزم يصادق امرأة مهما كانت تلك الصداقة بريئة دون وجود النية لديه بأن يجعل تلك العلاقة شرعية أمام الله.  وأنا الآن مسلمة  .. لهذا قبلت عرضه  ..  وقررنا الزواج فى أسرع وقت ممكن.

أصر محمد على أن يتقدم إلى والدى قبل ذلك ويطلب منه يدى رسمياً. لذا سافرنا سوياً إلى المدينة الصغيرة التى يعيش فيها أبواى. ورغم أنها كانت أمسية هادئة إلا أنه لم تتح فرصة مناسبة لطرح موضوع الزواج. لذا أكلنا الكعك وتجاذبنا أطراف الحديث قليلاً واستمتعنا بالجو الهادئ فى محيط الأسرة. ثم ظهر السبب الحقيقى لزيارتنا عندما كنا نقف فى مدخل المنزل أثناء توديعهم لنا. هنالك طلب محمد موافقة أبى على الزواج بى:
-"أتمنى أن أتزوج آنيا. إننى أطلب يد ابنتك."
فى البداية ظل أبى صامتاً, ثم قال:
-"لقد طرقت العنوان الخطأ. عليك أن تسأل آنيا نفسها."
ولقد فهم محمد ببطئ أن قول أبى هذا لم يكن فى الواقع سؤالاً فقط وإنما حقيقة.  تلك الحقيقة التى تسببت فى التحول المفاجئ لتاريخ عائلتي كله.
إن عائلتى تعرف محمد جيداً, ورأته من قبل مرات عديدة. والصداقة مع شخص أجنبياً شيئاً جيداً بالنسبة لوالدىّ , فهما يتمتعان بالتسامح , كما أن محمد شاب لطيف, ولكن فكرة الزواج  قد غيرت من ذلك الموقف كليةً.  فالزواج شئ ملزم, له نتائجه المترتبة عليه,  وهى أكثر بكثير مما يتخيله المحبون.لهذا عاد أبواي بذاكرتهم للوراء وتذكرا زواجهما الذى باء بالفشل . ولقد بعث الخوف فى نفسهما فكرة زواجى من أجنبى .. مسلم. 

-"إنكما ما زلتما لا تعرفان بعضكما البعض جيداً. وكلاكما مازال فى مرحلة الدراسة."
-"كما أن آنيا ما زالت صغيرة على الزواج, فهى لم تبلغ من العمر 21 عاماً."
-"يمكنكما أن تعيشا مع بعضكما دون الحاجة إلى الزواج فى الحال."

وقد كان رد الفعل ذلك, الصادر من عائلتى, شيء غريب جداً  على  محمد. فهو عنده كل النوايا الحسنة والجادة للزواج بى .. لكن على أي حال فإن كل شئ مختلف عندنا فى ألمانيا.
فاقشعر بدن محمد من فكرة العيش معاً دون زواج. فالمعاشرة الزوجية قبل الزواج محرمة تحريماً مطلقاً فى الإسلام.
-"كيف يتأتى لأبوين ألمانيين أن يدفعا ابنتهما لشيء كهذا؟"
-"إن الفتيات الألمانيات لا يُدفعَنَ إلى ذلك وإنما يهرولن بمحض إرادتهن عادة إليه."
وهذا ما لم يكن ليقتنع به محمد أبداً.

وكان الهم الأكبر الذى يجثم على صدر أبواي يتمثل فى الأطفال التى ستنشأ عن تلك العلاقة الزوجية.
-"إلى أى بلد ستنتمي إذاً هذه الأطفال؟"
-"وماذا سيكون مصير الأطفال فى  حالة الطلاق؟"
إن الجرائد مليئة بحكايات عن الزواج الغير سعيد, و عن الآباء الذين يأخذون أبنائهم معهم إلى الخارج.ولكن هذا كله لم يغير رأينا فى الزواج. وطبيعيى أننا نرغب فى إنجاب أطفال, لكن ذلك يتطلب منا الكثير للتفكير فى ما سيحدث لمصير تلك الأطفال التى لم تأتى إلى العالم بعد. من حق الأم أن ترعى أولادها حتى سن البلوغ , والأب ينفق عليهم وهو لديه الحق كذلك فى زيارتهم.

هذا ما يقوله الإسلام .. فهل هناك  شئ يمكن أن يقال بعد ذلك؟!"

وأسرة محمد كذلك لم تفرح بعزمنا على الزواج. 

إن الابن عندما يدرس فى الخارج فهذا شئ مقبول, أما أن يحضر معه أيضا زوجة من ألمانيا فهذا ما ليس مضطرا إلى فعله. فمن يضمن أن تلك الزوجة ستأتى بعد ذلك إلى مصر؟ فربما ترغب فى البقاء مع الابن الحبيب فى أوروبا, والأوربيات ليست لهن سمعة طيبة فى مصر مطلقا,ً لما تعرضه الأفلام والمسلسلات الأمريكية والأوروبية. فلقد جعلت منهن صورة غير سارة. كما أن المرأة فى الغرب تفكر فى نفسها فقط, فهى تحب المال والتسلية. كما أن الخيانة الزوجية والطلاق صارتا شئ معتاداً كل يوم, على الأقل يكفى أن ذلك يعرض فى التلفاز.
ولقد فكرت عائلة محمد أيضاً فى مصير تلك الأطفال التى لم تُنجب بعد. ولكن كان يوجد شئ يبعث على المواساة قليلاً:
-"على الأقل يكفى أن العروس قد دخلت الإسلام."
ولم تجد العائلتان بداً من الإذعان لرغبتنا. وهكذا بدأت أنا ومحمد فى التخطيط من أجل حفل الزواج. 
والدا محمد يفضلان أن يكون حفل الزواج فى مصر, فلا تنس أن محمد هو الابن الأكبر لثلاثة أشقاء , كما أنه الولد الوحيد كذلك. فخططنا للسفر إلى مصر فى الصيف التالى. ولطالما وددت أنا ومحمد أن نقطف ثمار حياتنا الزوجية.
إن الزواج فى الإسلام ليس سراً من الأسرار كما فى المسيحية. وإنما هو عقد اجتماعي بين الزوج والزوجة طبقاً للكتاب والسُنة مع وجود أثنين من الشهود اقتداء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم. إلا أن ذلك العقد غير معترف به رسمياً فى ألمانيا. لذا يحتاج إلى توثيق من الجهات الحكومية المختصة. أما بالنسبة لنا فكان الأهم لنا فى المقام الأول أن نكون متزوجين أمام الله, أما التوثيق الرسمي فما زال أمامه الوقت.

ولقد اتفقنا أن نتزوج أمام الله هنا فى ألمانيا ..  ورسمياً سيكون الزواج الصيف القادم فى مصر.  فضلاً على أننا نرغب فى عمل فرح كبير احتفالاً بالزواج.ولكن علينا أن نفكر أولاً فى التجهيزات الخاصة بعقد القران فإنها سوف تكون إسلامية, حيث قررنا الزواج فى أحد المساجد,ولكن تحديد المكان لم يكن مهماً فى ذلك الوقت. إنما الأهم هو ما سيتم تدوينه فى عقد الزواج. وبما أننى لا أعرف ما يتم تدوينه فى عقد الزواج لذا استفسرت عن ذلك من معارفى من المسلمين, كما استفسرت أيضاً من إحدى الجمعيات النسائية عما هو معتاد اتباعه فى تلك الأمور.
واكتشفت أن العنصر الوحيد الذى لابد وان يكون موجوداً فى جميع الأحوال هو المهر. وهو عبارة عن عطية يمنحها العريس إلى العروس عند الزواج. وتظل تلك العطية فى حوزة الزوجة خاصة أنها توفر لها الأمان المادى. وقيمة المهر الذى يقدمه العريس تتوافق مع مستواه المادى. أما من ناحية التقاليد يتم تقديم الذهب, أول الأسباب أن الذهب يظل محتفظاً بقيمته, وثانيهما أن المرأة بطبيعتها تحب اقتناء المشغولات الذهبية. بينما يمكن تقديم أى نوع آخر من المهر على شرط أن توافق المرأة عليه مسبقاً.  ويتم الاتفاق أيضا على ما تستحقه الزوجة فى حالة الطلاق كمؤخر الصداق أو النفقة اللازمة.
ولقد أفادتنى الجمعية ألا أضع عائلاً كبير على عنصر المؤخر, فهم يعلمون أنه من الممكن ألا يقدر الزوجين على الانفصال رغم إصرارهما عليه, مرجع ذلك إلى عدم قدرة الزوج على النهوض بأعباء المؤخر أو مبلغ النفقة.
وفى القرآن يذكر حق المرأة المطلقة فى أخذ مؤخر الصداق للإنفاق على نفسها.
"وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ"  (البقرة : 24)

لذا ليس هناك أى داعى لكتابة ذلك فى عقد الزواج. ورغم أن ملكية المرأة منفصلة عن ملكية زوجها طبقاً للشريعة الإسلامية, إلا أنه يجب على الزوج أن يقوم بتدبير نفقات البيت, وهذا أيضا سارى حتى لو أن الزوجة تعمل, أو أن ثروتها أكبر من ثروة زوجها. كما يحق للمرأة أن تقرر بنفسها ما الذى تنفقه من مالها الخاص.
فما الذى يبقى إذا للاتفاق عليه؟
 .. هذا متروك لخيال الزوجين.
فمثلا نعلم أن هناك زوجين قد كتبا فى العقد أن من حق الزوجة أن تستمر فى العمل بعد الزواج. وزوج آخر كتبا فى العقد أى نوع من وسائل منع الحمل سوف يستخدمانه. أما أنا فأعتبر ذلك شيئاً خصوصياً,  ولا أجد عندى حاجة لكتابته فى العقد.ولقد كثرت تلك التفاصيل حتى أننى تخيلت أنه إن لم نتفق على تلك الأشياء فيما بعد فمن الأفضل لنا ألا نتزوج مطلقاً. وكان ذلك نفس تفكير محمد, لذا قررنا أن نتفق فقط على المهر ومؤخر الصداق فى حالة الطلاق .. فى عيناي ذلك من المستحيل .. فأراد محمد أن يعرف ما هو الذى أريد أن أحصل عليه.
فى الحقيقة لم أكن أريد أى مهر.  فكلانا مازال يدرس, ومحمد ينوى أن يقوم بمفرده بكل أعباء الحياة الزوجية بعد زواجنا. ورغم أن محمد كان يكسب بصفته رجلا أثناء عمله فى الشركات الألمانية أكثر مما آخذه أنا كعاملة .. إلا أن مكسبه لم يكن بالكثير. لذا قلت له:
_ "لاشيء .. لا أريد أى مهر."
إلا أن ذلك الرد لم يعجب محمد, فالمهر من حقى على أى حال وواجبه الشرعي نحوى  كما أن زوجته يجب ألا ترخص من نفسها إلى هذا الحد. لذا لم يتوقف عن السؤال.وبعد فتر ة تعبت من كثرة إلحاحه فى السؤال فقلت:
_"إذاً اشترى لى عشر دست من الشكولاته."
 ..  بعدها استرحت.

وأخيراً جاء يوم عقد القران. وأقيم الحفل فى أحد المساجد العربية. وكان المسجد عبارة عن شقة  فى الدور الأرضى لمبنى مكون من خمس طوابق تستأجره إحدى الجمعيات العربية. وهذه الشقة لها مدخل منفصل وبهو صغير يليه قاعتان صغيرتان إحداهما للرجال و أخرى للنساء. و كذلك دورتان للمياه إحداهما للرجال والأخرى للنساء. وكانت أرضية القاعتان مفروشة بالسجاد. وفى غرفة الرجال يوجد رف كبير ملئ بالكتب عن آخره. وفى المدخل المؤدى لقاعة النساء يوجد هاتف , كما أن بها بعض المقاعد المدرسية والكراسي  يمكن إعدادها لتصبح فصل دراسي حيث يأتى الأطفال العرب فى عطلة نهاية الأسبوع لتعليمهم لغتهم الأم. وفى الجُمع يلتقون لأداء صلاة الجمعة. وفى المساء يجتمعون لتلاوة القرآن.
أما فى أغلب الوقت يكون المسجد مغلقاً إلا فى بعض المناسبات الخاصة. حيث يكون الإمام على أتم استعداد لفتح أبواب المسجد, لذا حضر خصيصاً من أجلنا عصر يوم الثلاثاء. واضطر إلى انتظارنا كثيراً فلقد تأخرنا على حفل زفافنا جداً. ذلك مرجعه إلى أننا كنا نقوم بنقل الأثاث إلى منزلنا الجديد الذى دلنا عليه أصدقائنا من المسلمين قبل يومين فقط من حفل الزفاف. وفى تلك الفترة وجدنا طالبين آخرين استأجرا حجرتانا فى المدينة الجامعية, وحزمنا كل أمتعتنا ونقلناها مروراً بوسط المدينة حتى وصلنا إلى منزلنا الجديد. وأخذنا حتى الظهيرة فى حمل الصناديق , وصعدنا بها إلى المنزل, ثم قمنا بالتسوق بعد ذلك. فالزواج الإسلامي يجب أن نحتفل به قدر الإمكان ولو بأقل القليل, لذا قمنا بشراء الحلوى والمشروبات من أجل ضيوفنا. 
وبالكاد قبل ميعاد الحفل تمكننا من الاغتسال فى مسكننا القديم, وقمنا أيضا بنقل الأثاث. وارتدى محمد حلة سوداء وأنا ارتديت ثوباً طويلاً اشتراه محمد لى كهدية من مصر حينما كان يقضى إحدى الإجازات, وارتديت الحجاب بالإضافة إلى ذلك.

وعندما وصل محمد المسجد ذهب إلى الإمام مباشرة ليتحدث معه عن تفاصيل عقد القران, أما أنا فذهبت إلى قاعة النساء حيث تمكث ضيفاتنا. ولم نتمكن من دعوة أحد, فكل شئ قد تم الترتيب له فى فترة وجيزة, لذا كان هناك أربعة فقط من صديقاتي, من بينهن هايدى بالطبع, فلقد كنت أراها فى الفترة الأخيرة باستمرار, على الأقل بسبب دراستنا معاً فى الجامعة. وأحضرت معا صديقاتها حميدة و ابنتها نينا واللتان , أتذكرهما جيداً حيث قابلتهما فى جمعية النساء التركية. وقد جاءت فاطمة "اليزابيث"  والتى صارت بمرور الوقت صديقة لى أيضاً. ولقد وصلت اليزابيث لتوها من إنجلترا حيث كانت تقضى أجازتها هناك. وجاءت من محطة القطار إلى الجامع مباشرة ومعها كل حقائبها و أمتعتها. أما فى قاعة الرجال فقد كان موجود عشرون من الطلبة العرب عدا الإمام والشهود – أصدقاء محمد – يسكنون جميعهم فى المدينة الجامعية تقريباً  .. إلا أنني لا أستطيع أن أتذكرهم بالاسم.

وحضر كل من أمى وأخى فقط, ذلك لأننى قلت أن حفل الزواج سيكون إسلامياً. وشرحت لهم أن هذا الزواج لا يترتب عليه أى حقوق, فهو من وجهة نظر الغرب علاقة غرامية.لذا لم يعتبر أبى هذا سبباً هاماً بالدرجة الكافية كى  يفوته اجتماع هيئة التدريس فى نفس اليوم. ولكنه عندما أدرك أننى كنت أتزوج تألم كثيراً لعدم حضوره. وعندما دخلت قاعة النساء وجدت أمى منهمكة فى الحديث مع هايدى. وكان كلامهما يدور حول موضوع الحجاب بالطبع, وإلا ما الذى سوف سيدور الكلام حوله إذاً؟

ولقد أحضرت أمى حجاباُ معها, فهى لأول مرة فى حياتها تدخل المسجد. وكان رأى هايدى  أن أمى ليست مضطرة لارتداء الحجاب فهى ليست مسلمة, و الكل يعرف تلك الحقيقة, والمسجد ليس مكان مقدساً وإنما مكان بسيط للتجمع. ولقد سلموا على بحفاوة.
وكلنا الآن فى انتظار بدأ مراسم عقد القران. وفرح الإمام كثيراً ذلك لأننا قد وصلنا فى النهاية و أراد أن يبدأ فقال:
_" الرجال من فليتفضلوا  إلى قاعة الرجال, والنساء من فضلكن إلى قاعة النساء.

_" كيف سيكون الأمر إذا والعروس ستكون مع النساء فى قاعتهن؟!"
الجواب بكل بساطة يتمثل فى أن: العروس تقوم بتعيين وكيل "وصى" لها يقوم نيابة عنها بالمشاركة فى مراسم عقد القران. فضلاً على أنه يوجد مكبرات صوت بالمسجد لذا يمكننا نحن النساء الاستماع لما سيقال.
هايدى "خديجة" وجدت أن ذلك يعد شيئا فارغاً .. هى تقصد أنه يمكننا المشاركة بالحضور فى عقد الزواج إذا تركونا نقف فى ممر القاعة الخاصة بالرجال. كما أنها تزوجت دون الحاجة إلى تعيين وكيلاً لها.

وكان إمام المسجد مصرياً ملتحياً يبلغ من العمر أربعة وعشرون عاماً تقريباً. درس الاقتصاد ولكنه جعل من هوايته - الدين – وظيفة له. ولقد عرفناه بعد ذلك عن قرب, شخصاً مفكراً واسعاً أفقه, إلا أنه فى ذلك اليوم لم يبدى أى تفاهم مطلقاً.

إن وكيل العروس ليس حتما بالضرورة -طبقاً للإسلام - ولكن الأمر سيكون كما سرت عليه العادة فى مصر  .. وحسبي أيضاً أن العريس مصرى, لذا كان كل شئ يبدو صحيحاً فى عيني الإمام. 
ولقد صُدمت صدمة شديدة .. فها أنا ذا أشهد حفل عقد قرانى عن طريق سماع مكبرات الصوت .. وما زاد الطين بلة أن مكبرات الصوت كان بها عطب فأخذ يصدر عنها صوت خشخشة عندنا .. فى قاعة النساء.إلا أن ذلك قد انقلب إلى حالة من الحظ, فلقد سمحوا للنساء بالمشاركة فى الحفل  ..كحالة استثنائية.
ورغم ذلك كله لم يرد الإمام أن يستغنى عن الوكيل ,وبعد فترة فشل محمد فى إقناعه بالتخلى عن رأيه و أخذ يشرح الموقف له.

من ناحية التقليد فإن والدى العروسان يكونان الوكيل. وهذا لم يكن محط أى استفسار  بالنسبة لى. لذا قمت بتعيين أحد الطلبة العرب من زملائي. يدعى جمال ..  مصرى مثل محمد, شاب ودود على استعداد تام للمساعدة. قد تبادلنا المساعدة وقت الإعداد لامتحانات اللغتين العربية والألمانية. واعتبر جمال ذلك شرفاً له أن أجعله وكيلاً لى.ثم جلس كل من محمد وجمال على يمين الإمام وجلسنا نحن النساء فى أقصى الخلف,وبدأ الإمام خطبته .. باللغة العربية. ولم نفهم نحن النساء أى كلمة مما قيل. ولقد تكلم وتكلم وتكلم. وعرفت فيما بعد أنه انتهز الفرصة وأخذ يلقى موعظة أمام الطلبة كان موضوعها"السلوك الإسلامى الحسن" وكان مضمون تلك الموعظة ليس له أدنى صلة بمناسبة الزواج. ولقد أثر على مزاجى الذى لم يكن فى أفضل حالاته هذا السيل الجارف من الكلمات العربية, وكذلك قصة الوكيل هذه فى ذلك اليوم. 

وبعد أن فرغ الإمام من خطبته بعد وقت طويل – كما بدا لى – سار بعد ذلك كل شئ يمضى بسرعة. وتم استدعاء الطالبين العربيين, ووضع محمد وجمال يديهما فى يد الإمام الذى وضع منديلاً على يدهما ثم قال .. مرة أخرى باللغة العربية .. صيغة عقد القران:
_" إنى أزوجكما على كتاب الله وسنة رسوله."  .. وقد كان.

ولقد ترامى إلى أذنى صوت أمى أثناء حديثها مع هايدى قائلة: 
_"أهذا كل شئ. من تزوج من ؟!"
ثم نهض كل المدعوين وقاموا بتهنئتنا متمنين لنا حياة سعيدة. وكان محمد بالطبع يقف خلف جمال "الوكيل" الذى عانقه بحرارة وقبّلَه _ كما هو معتاد عند المسلمين _  على وجنتيه. فتداعى إلى خاطرى على الفور مراسم الزواج الكنسى حيث يقول القس بعد إتمام مراسم الزواج:"يمكنك الآن أن تقبل العروس."
فى تلك اللحظة هدأ كل توتر كنت أشعر به فى تلك الأيام الأخيرة, حتى أخذت فى الضحك بصوت عالى مما أدى إلى لفت أنظار النقد تجاهى, حيث ينبغى على العروس فى تلك اللحظة ألا تضحك هكذا.

 وسرعان ما انخرطُ فى التهنئة والمباركة. بعدها تم توزيع كل ما أحضرناه من الحلوى و العصائر. وقد أهدتنا كل من هايدى وحميدة "سبت من الهدايا" وقد كانت هديتها فى الحقيقة عبارة عن طشت غسيل من البلاستيك. وأوضحت لنا هايدى قائلة:
_"إن هذا انفع للأغراض المنزلية اكثر من السَبَت."

وكان الطشت مليئ بعصائر طازجة من الحقل مباشرة وعسل نحل من النحال وفاكهة من المزرعة وأشياء أخرى كثيرة. فهايدى تهوى كل الأشياء الطبيعية.ولكنها تركت لى أيضاً ضمن الهدايا قدراً كبيراً من الشكولاته التى أحبها.
واتضح بعد ذلك أن الطشت نافع جدا,ً بدايةً من غسيل الملابس إلى وضع كميات هائلة من الأرز الباسامتى, حيث ندخرها لإعداد الولائم فى شهر رمضان, انتهاءً باستخدامه فى نقل أجزاء الموتور الخاص بسيارتنا  الخنفس (Volks Wagen).
 بينما أحضرت لى اليزابيث  من إنجلترا قرآناً مفسراً باللغة الإنجليزية كهدية بمناسبة الزواج وكذاك لوحة للخط الإسلامى لتعليقها على الحائط . 

بعض الطلبة أهدتنا مبالغ من المال قبلناها شاكرين. ثم جلسنا كلنا معا وأكلنا وشربنا وتسامرنا. ورغم أن احتفالنا الصغير هذا لم يكن صاخباً إلا أنه قد أوفى بالغرض الذى أُعد من أجله. وفى هذا الجو الودى الهادئ  تحدثت أمى أيضاً مع أخى وقد كان هادئان منذ بداية الحفل وممتازين مع أصدقائى. الآن أصبحت أنا ومحمد زوجين على كتاب الله وسُنة رسوله, وبالمناسبة كان مهرى الذى حصلت عليه عبارة عن سلسلة من الذهب ودستة من الشكولاته والتي قد فرحت بها كثيرا ً.
فى هذا اليوم انتقلنا إلى بيتنا الجديد. وبدأنا حياتنا الزوجية. أما بالنسبة للزواج الرسمي فسوف يكون الصيف القادم فى القاهرة كما خططنا. فى تلك المرة لن يدع أبى تلك المرة تفوته كما حدث من قبل, بالإضافة إلى أمى وأخى .. وصديقة أبى الجديدة.
ولكى يتم الاعتراف بهذا الزواج رسميا فى ألمانيا كان علىّ أنا ومحمد أن نقوم بملء الكثير من الشروط والبيانات فى الأوراق الرسمية فى مصر. كما يجب استخراج شهادة رسمية تفيد بعدم وجود أى سبب يقف عقبة فى طريق الزواج. وبعدها يلزم ترجمة عقد الزواج المصري وتوثيقه من مختلف الوزارات المصرية وكذلك السفارة الألمانية لذا اضطررنا إلى الوقوف فى طابور طويل بمختلف الهيئات والمصالح الحكومية. بعدها كنا نقود سيارتنا للذهاب إلى مكان آخر فى القاهرة لنقف مرة أخرى فى طابور طويل تحت حرارة الصيف المصرى الحارق. 
وبالنسبة لشئون الترجمة الرسمية كان هناك مترجم واحد فقط معترف به من قبل السفارة الألمانية بدل ترجمة كلمة "الفيزيائيى" بـ"الكميائيى", وأخطأ فى تاريخ عقد القران.
لحسن الحظ مكثت أنا ومحمد شهراً فى ذلك العام, أما الروتين فى المصالح الحكومية فيحتاج  بالطبع إلى وقت أطول من ذلك.على العكس من ذلك استمر حفل الزفاف "فقط" أسبوع تقريباً.

 42 كيلو جرام من الدقيق أحضرتها حماتى بمساعدة أخواتها من أجل إعداد المخبوزات التى ستقدم بمناسبة حفل الزفاف. وكان يوجد"كحك" مرشوش بالسكر, محشى بالعسل, بالإضافة إلى "قُرَص" بالعجوة تشبه فى لونها كثيب رمل منمنم , وكذلك"الغُريّبة" التى ذكرتنى كثيراً بالكعك الألمانى الذى يتم تقديمه فى أعياد الكريسماس, بالإضافة إلى نوعين من البسكويت.
كل شئ تم الانتهاء من عمله قبل وصولنا إلى مصر ..  جاهزاً للاستهلاك. 

يومياً كانت تأتى العمات والخالات و كذلك أبناءهن, ويغنون ويرقصون ويطبلون. وتم طباعة 700 دعوة لحضور حفل الزفاف تم توزيعها على 700 عائلة. وقد كان ذلك كله فى شهر يوليو ذروة الصيف. لذا تم إحضار كميات هائلة من الكولا والمشروبات كالليمونادة و تم تبريدها كذلك لشربها.
وبالكاد كنا نتواجد أنا ومحمد فى البيت فى ذلك الوقت فبالإضافة إلى المهام الرسمية العديدة التى كنا نقوم بإنجازها كنا مشغولين جدا بالمشتروات. وكان شراء فستان الفرح على الأخص ممتعاً جداً. ولأن حمواى أصرا على أن يكون فستان الزفاف يكون أبيض قامت حماتى عن طريق الهاتف عندما كنا فى ألمانيا بأخذ مقاسى   وكذلك مواصفات الفستان .. فقلت لها المواصفات التى أرغبها:
-"فستان مقفول حتى الرقبة."
-"طويلاً يزحف طرفه على الأرض."
-" لا يجب أن يكون ضيقاً ولا كاشفا.ً"
-" إسلامى تماماً."
من الصعب أن تجد فستاناً كهذا فى مصر. فالكثير من العرائس _ المحجبات منهن أيضا _ يلبسن فستان الزفاف على أحدث الطرز الأوروبية. مرة واحدة لن تضر (تعليق الكاتبة)  مرة تفوت ولا حد يموت , فهذا يوم غير عادى.كما تذهب العرائس أيضاً إلى الكوافير, ويضعن المساحيق على وجهن للزينة, ويلبسن فساتين تكشف عن الكتف. 
وبعد محاولات عدة بذلتها حماتى  وجَدَت أخيراً الفستان الذى يتناسب مع أفكارى. لكن للأسف لم يتم الانتهاء من شراؤه عندما وصلنا مصر, حتى قبيل موعد الزفاف بأسبوع. وعندما ذهبنا إلى المحلات لشراء الفستان المناسب كانوا الباعة يسوفون فى ميعاد الفستان يوم بعد يوم كى  يجدون لى الفستان المناسب.
... حسناً , يكفى على الأقل أن محمد لديه الآن حلته الجديدة, وهى سوداء اللون,  بالإضافة إلى رباطة العنق أحمر قاتم لونها. 
وقام والد محمد بإحضار الحلاق له فى المنزل .. فتساقطت على أرض الغرفة خصلات شعره المجعدة الجميلة الواحدة تلو الأخرى, حتى تساوى شعر رأسه بشكل يبعث علىال ممل .. طبقاً لرغبة حماى. 
وفى يوم الثلاثاء .. قبل يوم الزفاف بيومين ..كدت أن أصل تقريبا أنا وحماتى كذلك  إلى حالة من الفزع, ذلك لأن الفستان لم يصل بعد,  لذا قررنا الذهاب مرة أخرى لشراء فستان آخر. 
ولكنه أخيراً وصل.
حلم من  قماش الستان الأبيض .. مقفول  حتى العنق .. يزحف طرفه على الأرض, ومزين بالجواهر واللآلئ. وأتضح أيضاً أن مقاسه هو نفس المقاس المناسب لى. وقامت خالة محمد بابتكار حجاب مناسب للفستان, عبارة عن قبعة صغيرة تنسدل جوانب الحجاب منها, وتختفى أطرافه تحت الفستان.
وفى يوم الأربعاء .. اليوم الذى كان يسبق يوم الزفاف .. أقيمت حفلة أخرى تقليدية تسمى ليلة "الحنّة" حيث تُزين فيها كفى العروس وقدميها برسومات من الحنة .ويكثر حدوث نفس الشئ إلى يومنا هذا على سبيل المثال فى كل من تركيا والمغرب. أما فى مصر فقد تغيرت تلك العادة ولم يبقى منها إلا اسمها فقط, يقوم بإحيائها مجموعة من الشباب يغنون فيها ويرقصون, حتى صارت ليلة الحنة حفلة بمناسبة توديع العروس.
وجاء الأقارب والمعارف والجيران من كل الأعمار لكى يروا العريس فى هيئته الجديدة, وغنوا ورقصوا معاً, وفى تلك الليلة طبل أولاد عم محمد بأفضل طريقة تمكنهم.ولقد شارك كل من أمى وأبى و معه صديقته فى الحفل.
وفى وسط الضجيج نادى أحدهم:
_" العروس وصلت"

هنالك خيم صمتاً شديداً  استمر للحظة .. حتى أنك لتسمع صوت الإبرة إذا سقطت على الأرض .. ففى حضرة الرجال لا يصح الرقص والغناء. بعدها دخل محمد, وقدِم إلىّ, وألبسنى من جديد شبكتى رسمياً أمام أعين الجميع. فومضت آلات التصوير وأخذت فى التقاط الصور لتخلد هذه المناسبة العزيزة. وأراد الكل أن يتصور مع العريس و العروس. وفرح محمد عندما استطاع أن يخرج أخيراً من وسط الزحام , ثم أغلق الباب ورائه. وعلى الفور استُأنف الحفل و ظل حتى ساعة متأخرة من الليل إلى أن بدأت الناس تعاود إلى بيوتها تدريجياً الواحد تلو الآخر.
وأخيراً جاء يوم الخميس .. يوم الزفاف. إن معظم حفلات الزفاف تقام فى مصر يوم الخميس, ذلك لأن الجمعة هى الإجازة الإسلامية وهى تشبه فى ذلك يوم الأحد عندنا فى أوروبا. وبدأت مراسم حفل الزفاف بعد العصر بتلاوة القرآن فى المسجد. وحضر المهنئون من الـ 700 عائلة الذين تم دعوتهم .. جاءوا  ليعبروا عن مباركتهم لنا .. حتى أن محمد استغرق ساعة كاملة فى السلام عليهم بيده أمام باب المسجد. وأبى كذلك بالمناسبة ..  إن ذلك يعد اختبار حقيقى لصبر والدى فى أول أيام له فى مصر. 

فى هذا الوقت كنت موجودة فى منزل أخت محمد المتزوجة لأقوم بارتداء الفستان. ورفضتُ وضع أى مساحيق على وجهى -غير مسموح بذلك فى العلانية طبقاً لتعاليم الإسلام- رغم تصاعد الاحتجاجات من حماتى , بل أصررتُ على وضع نظارتى على وحهى .. والآن أريد أن أشهد حفل زفافى. 
كل شئ كان على ما يرام غير أن الحجاب كان صعب تثبيته, فقامت خالة محمد بإحضار بعض الدبابيس لتثبيته جيداً. وعندما جاء محمد  ليأخذ عروسه من المنزل, كنت جاهزة على أتم وجه. وكان بانتظارنا سيارة مرسيدس تقف خارج المنزل, أقرضها أحد أقارب محمد له لاستخدامها فى الزفة.  وكانت هذه السيارة مزينة بالورود والشرائط الملونة ومستعدة لأخذ العروسين إلى بيت والدى محمد. 

لقد تحول الشارع أمام البيت إلى ميدان للاحتفال. فلقد تم تشييد خيمة كبيرة على شكل غرفة بدون سقف"كوشة" فى الهواء الطلق  فى مقدمتها كرسيان مثبتان على منصة  من الخشب.وكان فى انتظارنا مجموعة تتكون من 30 موسيقى متراصين فى صفين من أجل تحيتنا. وكانت تلك الرجال تلبس ثياباً تقليدية ويحملون الطبول.

فى الحياة الواقعية هم مجموعة من الطلبة الذين يكسبون المال للإنفاق على أنفسهم. وبلا شك قد أدوا أداء رائعاً , رقصات شعبية, وأغانى وطقوس الزواج, التقليدية مع الكثير من البخور, وبطانية فوق رؤوسنا. اصطحب ذلك العرض ساعة أو ربما كانت ساعتين من الصوت المدوى لقرع الطبول الذى يصم الأذن, محدثاً صدى متنوع, لارتطامه بواجهات المنازل على امتداد الشارع. وكان مصور الفيديو  يقول لنا :
_" ابتسموا من فضلكم."
_"قربوا خطوتين قليلاً إلى الوراء لو سمحتم."
_"البنات اللاتي يحملن الورد, لو سمحتن تعالين فى الصورة."
_"ضحكة أخرى أكبر من فضلكم."
_"قربوا ثلاث خطوات إلى هنا من فضلكم؟"
_"يا ... يا ناس يا ناس يا ناس."
فيما بعد علمتُ أن عائلتى فرت بنفسها فى تلك الأثناء من الزحام إلى سطح المنزل .. والتقطوا أنفاسهم  ..وأخذوا يشربون قدحاً من القهوة العربية.
و ما إن وصلت أنا ومحمد إلى المنصة وجلسنا على الكرسي, وقف الضيوف فى صف لتهنئتنا.  لذا أخذنا فى مصافحة الضيوف والابتسامة على شفاهنا .. فالعروسان لابد وأن يبتسما دائما.
وبعد ذلك جاءت المفاجئة الكبرى .. فجأة لم يعد هناك أى وقت, فكان لابد من ركوب أقرب الأقارب فى ثلاث سيارات امتلأت عن آخرها يصحبها الصوت الإيقاعي لكلاكس السيارة  توت – توت  -  توت  –  –   توت  –  توت  –  توت حتى وصلنا إلى وسط البلد. وبالقرب من نهر النيل توقفت السيارات حيث كانت تربض على الشاطئ"فرعون النيل" .. مركبة جميلة بدورين, مبنية على الطراز القديم لمركبات الشمس الفرعونية, وبها مطعم درجة أولى. ثم صعدنا سوياً مع الضيوف إلى سطح المركب. وفى الحال أقلعت المركب وبدأت تتحرك فى بطئ وسط النهر المظلم حيث تدفع بنفسها فى تيار من الماء مثل الحبر, تتمايل النخيل فى غموض على ضفة النهر. وببطيء تركنا خلفنا أضواء القاهرة. ولم يسكت صوت أزيز الحشرات إلا حينما قاطعها صوت نهيق الحمار. وبدا أن المدينة قد أخذت فى النوم,  بينما تمر السفينة تصحبها أنغام الموسيقى العربية.
ثم دعونا إلى افتتاح البوفيه. وبالفعل قمنا بافتتاحه بعد ذلك. وكان البوفيه معد بأطيب الأطعمة. ومما بعث السرور لد ى كثيراً أننى وجدت به قليل من نوع الشكولاته التى أحبها.بعدها صعدت على متن المركب سيدة شابة فى ثياب متألقة. وبدأت تتلوى على إيقاع الموسيقى. إنها "راقصة البطن" .. الراقصة الشرقية. التى تكون فرضاً فى المطعم. فأى مطعم عربى  هذا الذى يمكنه أن يستغنى عنها فى برنامجه؟
وأثناء هذا الأداء من الرقص الشرقى كان محمد يوجه بصره إلى الأرض -طبقاً لتعاليم الإسلام - أثار ذلك طبعاً غضب الراقصة. بعد ذلك أحضرت التورتة التى كانت تتكون من ثلاثة أدوار, وأثناء قيامنا بتقطيعها أخذت أنوار القاهرة على الضفة تعاود فى الظهور مرة أخرى.ودون أن نشعر استدارت المركب, ووصلت الرحلة إلى نهايتها. وبعدها نزلنا من المركب , ثم استقللنا السيارة مرة أخرى و سرنا فى شوارع القاهرة ..  توت – توت - توت  –  –   توت – توت – توت وانضمت إلينا السيارات الأخرى فى الطريق وشاركتنا فى هذا الحفل الموسيقى .. كان الكل فرحان للعروسان.
لكن هذه المرة سرنا باتجاه أحد التلال"المقطم" التى تواجهه قلعة محمد على. فى الساعة 2  بعد منتصف الليل كانت المدينة ذات الخمسة عشر مليون نسمة تقف تحت قدمينا ..  عبارة عن بحر من الأنوار.وفوق جبل المقطم كانت هناك ثلاث حفلات زفاف أخرى غيرنا قد وجدوا طريقهم إلى هذه المرتفعات الساحرة هروبا من ضوضاء المدينة. 

تُرى هل كانوا يتمنون مثلنا ألا تنتهى أبداً هذه الليلة ؟!
بالطبع انتهت ليلتنا بعدهم بقليل. 
ونزلنا إلى أرض الواقع.

فى يوم الجمعة – يوم الراحة الإسلامى – تغلق المصالح الحكومية والبنوك والمصانع, لذا تمكن المهنئون من الاستراحة, قليلاً من الليل, ليبدءوا مسيرتهم بعدها لتهنئتنا. وبالفعل بدأت الضيوف فى المجيء ظهراً بعد ليلة قصيرة جداً جداً لنا.

لمدة ثلاثة أيام كان المنزل مليئاً بالضيوف .. يأتون لتهنئتنا .. يشربون البيبسى .. ويتذوقون من المخبوزات التى أعدتها حماتى لهم ثم يغادرون. ولكن الذهاب لا يكون دون ترك الظرف الإجباري "النقطة", وهو هدية الزواج على شكل مبالغ نقدية,  والتى أخذها حماى و حماتى على الفور.وفى كتاب تم تدوين كل مبلغ على حدى , ذلك لأن تلك المبالغ يجب أن ترد لأصحابها يوماً ما فى نفس المناسبة.

نظام ذكى من الأخذ والعطاء.

لمدة ثلاث أيام كنا نستقبل الضيوف. نبتسم فى ود ونتحدث معهم . ولأن القدر الذى أعرفه من اللغة العربية لم يمكننى من الصمود فى أى محادثة, لذا ابتسمت ثلاث أيام أخرى! وبعد ذلك كان لدينا بعض الوقت لأنفسنا,  فسافرنا بضعة أيام إلى شاطئ البحر. ولكن للأسف,  فلقد مرت تلك الرحلة سريعاً جداً.

وعودة للأحداث مرة أخرى فى"الوطن" .. ألمانيا .. فلقد تذمر أبناء عمى طويلاً وطالبونا بعمل حفل زفاف مرة أخرى كي يحضروا لتهنئتنا. فاستسلمنا وقررنا عمل حفل زفاف آخر لعائلتى. وأرادا أبواى أن يساعدانا فى هذا الحفل. ولكن هذا الحفل أتضح انه أصعب بكثير مما توقعنا, ذلك لأنه سيكون على شكل حفل عشاء, فهذا من تقاليد عائلتى.واعتقدت أنا ومحمد أنه لن تقدم أى كحوليات احتراماً لعقيدتنا. فذلك ليس إلا حفل الزفاف الخاص بنا وليس أحد غيرنا. 
هذه الفكرة لم تعجب عائلتى أبداً بأكملها. فكان رأى جدتى, أن حفل بدون كأس من النبيذ لا يعد حفل على الإطلاق. ومن رأى والدى ،أنه يجب علينا أن نحترم رغبات الضيوف وليس المضيفين, قائلاً:
" كل الذى سوف نقوم به هو أن نشرب نخب العروسين."
إلا أننا لم نوافق على ذلك البتة. ولكى نتجنب المشاكل مع  أفراد عائلتنا طلب منا والدى أن نكتب هذه اللافتة على كروت الدعوة:
"لا تُقدم أى كحوليات" .. هذا ما اتفقنا عليه.
لقد دعونا أفراد عائلتى إلى حفل"خالى من الكحول".
وكانت المشكلة الثانية تتمثل فى المكان الذى سيقام فيه الحفل. كما أن البيت لم يعد المكان المناسب لاستقبال هذا العدد الكبير من الضيوف .. تقريباً 30 مدعو , وأن فكرة استئجار صالة احتفالات فى أحد المطاعم ربما تكون فرصة ملائمة. ولكن مع وجود البار فى القاعة الجانبية؟ فماذا سيحدث بشأن ما كتبناه فى الدعاوى"لا تقدم كحوليات"؟ 

أخيراً وجدت أمى الحل .. فقد قمنا باستئجار صالة الاحتفالات بالكنيسة الإنجيلية المجاورة.وبمساعدة أمى نفسها ملئنا مائدة البوفيه بالمأكولات الغربية والشرقية. وبالنسبة للمشروبات فقد قدمنا كل أنواع العصائر كالليمونادة والكولا والمياه المعدنية بالإضافة إلى إناء به مختلف التوابل ولكن هذه المرة بدون كحول. 
وبالطبع قدمنا الشاى والقهوة إلى جانب الكعك, فهذا من ضمن تقاليد عائلتى حيث يتم تقديم القهوة مع بوفيه منتصف الليل.  وفى النهاية أعجب المدعوين بالحفل, إلا عماً لى كان له تعليقاً آخر على الحفل .. فقال:
_"إن الحفل كان "ناشف" قليلاً."

 وبعد كل حفلات الزفاف تلك التى أُعدت لنا, على أن أقول أن حياتنا الزوجية قد بدأت بالفعل بعد  أول حفل زفاف كان لنا فى المسجد, عندما عقدنا قراننا أمام الله. بداية من هذا اليوم انتقلنا إلى منزلنا الجديد وعشنا فيه سوياً. فيما بعد قمنا بحفر تاريخ    3  أكتوبر 1989 على خاتمى زواجنا نقلاً عن تقليداُ أوروبياً حسناُ.

ولحسن الحظ قامت الحكومة الألمانية فى العام التالى بإعلان الثالث من أكتوبر عطلة رسمية. بالطبع ذلك ليس له أدنى علاقة بزواجنا .. ولكن هذا شئ جميل أن نأخذ أجازه من الآن فصاعداً  فى يوم الاحتفال بعيد زواجنا.

بزواجى تحولتُ إلى صنف جديد من النساء, على الأقل فى عيون الناس من حولى. امرأة ألمانية متزوجة من مسلم. 

الكل يدعى أنه على معرفة بما يحدث فى حياة المرأة المسلمة المتزوجة حيث تحدد حياتها من قِبل زوجها, فالإسلام يحض الرجل على ذلك, ولم يعد يتعجب أحد من الحجاب وإنما يتعجبون من أنه مازال"مسموح" لى أن أدرس. وأن أعمل فى الإجازة. وأن الاضطهاد لا يبدو له أثراً على.
فى كل مكان كنت أشعر بالشفقة تجاهى.
_"لقد أسلمت نفسها لسحر أحد الشباب العرب .. والآن عليها انتظار النهاية الوخيمة."
ويسألوننى فى شفقة مراراً وتكراراً:
_"هل كان لزاماً عليك أن تدخلى فى دين زوجك بعد الزواج؟"
_"هل أجبرك زوجك على ارتداء الحجاب؟
حتى أن إحدى البائعات سألتنى ذات مرة:
_"هل حقيقى أن زوجك يضربك؟"
وبصبر كنت أحكى لهم مراراً وتكراراً:
_"لا .. إن زوجىلا يضربنى , ولم يجبرني أيضاً على ارتداء الحجاب. فلقد أسلمت قبل زواجى."

فى الواقع لم يؤثر  زواجى من محمد علىّ فى أى شئ. فها أنا ذا أحتفظ باسمى, ولا يحمل كلانا اسم عائلة مشترك. هذا القرار الذى أصبح مسموح به مؤخراً فى ألمانيا  _ فقط منذ بضعة سنوات _ يعد شيئاً بديهياً من قديم الأزل فى الإسلام. فكل زوج له الحق فى الاحتفاظ باسمه الخاص. وكذلك جنسيتى .. مازلت أحتفظ بها, فأنا لا شئ غير كونى ألمانية. كما أن العالم الثالث نفسه لا يمنح جوازات السفر هكذا مجاناً.

_"صحيح أنك مسلمة قبل زواجك, ولكنك كنت تعرفين زوجك من قبل فى تلك الفترة, أليس كذلك؟"
_"هذا صحيح ..  إننى لم أعرف محمد فقط قبل الإسلام بل أحببته,بالإضافة إلى أننى تعلمت الكثير عن الإسلام من خلاله. إلا أن محمد ليس السبب الرئيسي لدخولى الإسلام. صدقنى لا يوجد أحد على وجه الأرض يستحق أن  تغير من أجله دينك ولا زوجى محمد نفسه."
كما أن دخول الإسلام له الكثير من التبعات. ليس فقط على حياتى الخاصة ولكن فكر أيضاُ فى الأطفال. إن أبواى لم يتوقفا عن التفكير فى مصير  أولادى , وتسائلوا كيف سيكون مستقبلهم.
لقد أسلمت ذلك لأننى اقتنعت بحقيقة التعاليم الإسلامية, بعدها اخترت محمد زوجاً لى, ذلك  لأن محمد يشاركنى فى هذا الإيمان, ولو أصاب حياتنا الزوجية أى سوء  لقررت فى كل حال من الأحوال أن أكون مسلمة مرة أخرى. والذى كان يجذبنى فى محمد , إيمانه .. محمد بغير الإسلام سيكون شخصا ً آخر.فالمسلم يؤمن بأن الله سوف يحاسبه وفق أعماله. ذلك الإيمان هو الذى يشكل الشخصية بقدر كبير ويعلم تحمل المسئولية والصبر والعفو تجاه الآخرين كذلك.
الله هو الحكم النهائي وهو الرحمة التى نرجوها, و التى يجب أن نعمل بها. هكذا يكون المسلم الذى ينهض بتعاليم بدينه على أكمل وجه  زوج مثالى لزوجته فى كل تعامل. بما تحلم النساء إذاً بعد ذلك؟
*بالأمان؟
*برجل يتحمل المسئولية وقت الضرورة؟
*برجل لا يشرب الخمر؟
*برجل لا يلعب القمار؟
*برجل ليس زير نساء؟
* برجل ليس لا يكترث بأى شئ فى حياته إلا نفسه ؟
*برجل لا يتمتع بالمشاعر فقط وإنما يخجل فى أن يبديها أيضاً ؟

فلتقرأ القرآن والسُنة إذاً!
إن الكحول والمخدرات والميسر ليست مباحة بأى حال من الأحوال. و المسلم يضع جل بصره فى الأرض, و أن عليه أن يحصن فرجه بالفعل كما نعلم.
وإظهار المسلم لمشاعره يعد شيئاً بديهياً, فالمسلم  يرجو من الله قلباً خاشعاً ولسانا شاكراً وعيناً باكية. فربما يبكى الرجال فى صلاتهم الجهرية أمام الله إذا حزبهم أمر أو أصابهم ضر. فحدث ذات مرة أحد الأئمة أخذ فى البكاء عندما شرع فى صلاة الجمعة ذلك لإدراكه بمدى قربه من الله فى هذا الموقف.

والمداعبة كذلك شئ طبيعي تماماً. فذات مرة قبّل النبى محمد حفيده الحسن فى وجود  الأقرع بن حابث التميمي. فقال"الأقرع":
-" و الله إن لى عشرة من الصبية ما قبلت أحد منهم قط."فالتفت إليه رسول الله وقال:
-" من لا يرحم لا يُرحم."

أما من ناحية المسئولية فإن الرجل يحمل مسئولية زوجته وأسرته أمام الله.
"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ "  (النساء : 34  )
" وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ "   (البقرة : 233)

فالرجل يحمى أفراد أسرته وينهض بأعبائهم وذلك ليس معناه أن ليس للمرأة أى نوع من المسئولية"كل شخص مسئول" فالمرأة تعتنى بمنزل زوجها.
كلمة"منزل" فى هذا السياق لا يقصد به المبنى ذاته, وإنما تشير إلى الاحتياجات المنزلية والعائلية.وعلى الزوجين أن يتخذا أى قرارات سوياُ – كما هو متبع فى الإسلام – بعد التشاور فيما بينهما. وعلى سبيل المثال يُذكر فى القرآن عن رضاعة الأطفال:
"وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ" ..
 "فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" ( البقرة : 233  )

إن الهَ يرى ما نفعل .. والله أيضا يرى كيف نقوم بمسئولياتنا التى كلفنا بها, لذا يُذكَّر الرجال بهذا دائماً من عدة وجوه:
-" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذى جاره .وأن يعامل زوجته برعاية وحب." 
-"أحسنكم أخلاقاً أحسنكم أخلاقاً لأهله." (هل نص الحديث صحيح؟)
" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"  (النساء : 19 )
العلاقة هنا ليس لها أدنى شأن بتكامل الزوج أو الزوجة وإنما بالمسئولية والاحترام والحب. الرجل وامرأته كل منهما "كالثوب"بالنسبة للآخر. فلتتدبر إذاً هذه الآية:  

" أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ "  ( البقرة : 187 )

هذه الصورة التى ذكرت فى القرآن تشير إلى علاقة حميمة .. نعم العلاقة الجسدية بين الزوجين . 
"هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا "    ( الأعراف : 189)

لطالما أردت أن أتزوج مسلماً .. مما جعلنى الآن لا أقف فى هذا العالم بمفردى. بالطبع ليس كل زواج بمسلم يمضى سعيداً. وإنك إن قرأت الصحف لوجدت أن التجارب السيئة هى القاعدة العامة.ولكن من ناحية أخرى ما الذى سيستفاد منه القائمون على الصحافة  إذا نشروا أخباراً عن الزيجات السعيدة؟! لكن بالفعل يوجد أيضاً بعض النماذج السيئة بين أصدقائى. ولكن هذه الزيجات لم تنتهى بسبب الإسلام ولكن بسبب الصراع الثقافى.

_"هل تعتقد أن الإسلام و الهوية الثقافة شيئاً واحداً؟"
إن ذلك ليس بتلك السهولة. فلتتأمل الثلاث حفلات التى صنعت لى: الحفل الأول فى المسجد الصغير بإحدى المدن الألمانية, والثانى على نطاق أوسع فى مصر, والثالث يأخذ نمط حفل العشاء فى إحدى قاعات الاحتفالات بإحدى الكنائس الإنجيلية المجاورة. الثلاثة لا يمكن التفريق بينهم, فالحفلات الثلاثة كانت إسلامية – طبقاً للشريعة الإسلامية – عدا الراقصة الشرقية التى كانت موجودة فى المطعم العائم .. تلك العادة الشرقية فى الأفراح ليست من الإسلام فى شئ. 

والشائعة التى مغزاها أن الإسلام والشرق لا يمكن التفريق بينهما  من الناحية الجغرافية تعد من الخطأ بمكان. فتجد على سبيل المثال أن الدولة التى أكبر غالبية عدد سكانها من المسلمين هى إندونيسيا,  فعندهم تقريباً 170 مليون مسلم, بينما يوجد فى السعودية 14 مليون مسلم فقط. ومن ناحية أخرى تعد جزر الملايو من أقل الدول تعداداً من حيث عدد المسلمين ولكنها تعد بلد إسلامى خالص.
أو فكر أيضاً فى موريتانيا وسوريا واليمن وتركيا وباكستان وإيران و جامبيا و نيجيريا أو الكاميرون .كل هذه البلدان يزيد تعداد السكان المسلمين فيها عن 90 %.
 "هل تعتقد أن تلك البلدان تعيش نفس الثقافة؟"
"هل تعتقد أن المسلم الذى نشأ فى الصين له نفس الخلفية الثقافية للمسلم فى نيجريا؟"
هل تعتقد أن مسلماً من جزر القمر  تربى على نفس الثقافة التى تربى عليها الحلاق التركى الخاص بك؟"
 "إن الإسلام ليس هوية ثقافية .. إنما الإسلام دين."
نحن الألمان نميل إلى دقة المصطلحات , لذا يجب علينا أيضاً ألا نبسط من ذلك ونخلط بين مفهومى الدين والهوية الثقافة.

عندما تسمع أن النساء تخص المنزل, وليس بمقدورهن فعل أى شئ آخر فى الحياة العملية, فإن ذلك بكل بساطة ليس من الإسلام فى شئ. إن المرأة لها ثروتها الخاصة بها كما نعلم, و التى يمكن أن تتاجر بها.

 خديجة .. أول زوجة للنبى  على سبيل المثال كانت ثرية جدا,ً و كان النبى  أحد "الموظفين"  القائمين على إدارة قوافل التجارة الخاصة بها.

وهناك زوجة أخرى للنبى محمد   ..  زينب بنت جحش .. كانت تتكسب المال من الأعمال اليدوية, كدباغة الجلود والغزل والنسيج, و كانت تقسم دخلها إلى ثلاثة أجزاء: جزء تعطيه للفقراء وجزء تنفقه على بيتها أما الجزء المتبقى فتشترى به الصوف الخام, ومواد أخرى جديدة لازمة لعملها.

وفى عهد عمر بن الخطاب   .. روى أنه قام بتنصيب امرأة على سوق المدينة كحَكَم يقوم بفض النزاعات التى تنشأ بين التجار. كما أن النساء كانت دائماً ذات نشاط كبير فى مجال البحث والوعظ. ولم يقتصر ذلك على فرع علمى محدد, فتجد أن السيدة عائشة , زوجة النبى   أيضاً, كانت مشهورة  من بين الأخريات بمعرفتها بعلم الفلك إلى جانب القضايا الدينية, و التى كان لها نفوذ كبير بها لفترة كبيرة دامت بعد وفاة النبى .

-"لماذا إذا ينبغى على المجتمع الإسلامى الاستغناء عن قدرات المرأة وهى نصف تعداد السكان؟"
-"ألا ترتدى المرأة ما يغطى جسدها كى يمكنها التحرك فى المجتمع دون حرج  "بحرية" بحيث لا تجلس فقط طوال الوقت فى المنزل؟"
_"إذاً من سيقوم بشغل البيت؟"
ورد عن النبى محمد  .. الذى يعتبر قدوة لكل المسلمين .. أنه كان يساعد زوجاته فى عمل المنزل عندما يجد وقتاً أمامه لذلك.

وتلك العادة المنتشرة انتشاراً واسعاً .. وهى أن الفتاة عليها الانتظار حتى يأتى إليها عريس فيطلب يدها للزواج, ليست لها دليلا من الدين. على العكس تماما من ذلك, حيث تجد فى قصة موسى أن زوجته هى التى رأته أولاً ثم قام والدها بعد ذلك بعرض الزواج عليه.وكذلك خديجة .. أول زوجة للنبى محمد  تقدمت بعرض الزواج منه حيث كان أحد العاملين لديها آنذاك.
إن المرأة يمكنها أن تنظر إلى من سيكون زوجها مستقبلاً وأن تقترح عليه الزواج منه. وذلك الرأى مدعم  بالكثير من الأحاديث.
للأسف أصبح اهتمام العديد من المسلمين بالعادات والتقاليد أكبر من اهتمامهم بسُنة النبى. فهم يهتمون كثيراً بما يقوله الجيران, بينما يقل اهتمامهم بالتعاليم الإسلامية. ولم يعد من بين المسلمين من يحاول تصحيح تلك التصرفات المرتبطة بتعاليم الإسلام.

أذكر على سبيل المثال أن أحد معارفنا من اللبنانيين أمر زوجته ذات مرة قائلاً:
_" لا يكفى أن تكونى مسلمة, بل عليك أن تكونى لبنانية." 

من ناحية أخرى فإن مثل هذا النوع من النساء يسهل استغلال تلك الميزة لديهن, فهن  يتزوجن ومعهن نشأتهن المسيحية: "حب غيرك مهما بذلت من تضحيات"
فيستغلهن أزواجهن طواعية .. مالياً وعاطفياً. فهن يهملن حقوقهن بينما يضمنها الإسلام لهن.فى تلك الفترة انتهى زواج معارفنا اللبنانيين بالطلاق, وتزوجت المرأة مرة أخرى وكان زوجها الثانى مسلماً أيضاً . ولكن عسى هذه المرة أن يكون أكثر تديناً!
أما ما ليس فى استطاعة النساء الغربيات أن تتكيف معه فهو المغالاة  فىالوطنية الخاصة بمنطقة البحر المتوسط و التى ينحدر منها أكثر المسلمون الذين يعيشون فى ألمانيا.ذلك التكوين الأسرى, الذى يسيطر فيه الرجل على عائلته ينتشر على كل سواحل البحر المتوسط بما فيها الساحل الأوروبى.
فكر على سبيل المثال فى اليونان وصقلية حيث تعد العائلة هناك فى بلادهم كل شئ, وكل فرد فيها ذو دور ثانوي, أما الرجل فهو رب البيت. كما اعتاد الرجل داخل هذا التكوين الأسرى أن يُحتَرم ويطاع من نساء العائلة, وتعود كذلك أيضاً على أن يقمن بخدمته. باستثناء الأم التى ربما لها نوع من الوضع الخاص. تلك التكوينات تمنح الرجل الكثير من الصلاحيات التى لا يمكن للمرأة الألمانية أن تتحملها إطلاقاً.
بيد أن الكثير من النساء الألمانيات قد دللتهن أمهاتهن, فلم تفلح الأم على مدى السنين أن تنتهز الفرصة وتجعل منهن شئ نافعاً لمستقبلهن .. وكانت العائلة فى الماضى فى المقام الأول دائماً.
أما الفتاة الآن فلم تعد فى حاجة إلى المساعدة فى أعمال المنزل. وفيما بعد ستقوم أمها بالطبع برعاية الأحفاد, وتكون جليسة الأطفال المجانية لابنتها, كى تتمكن من  الحصول على مؤهلها .. حتى و إن لم يكن فى خطة البنت أن يكون لها أطفال.
فلم يعد فى الحسبان عند التخطيط للمستقبل أن يكون للأطفال دور فيها. فالأطفال يكلفون المال ويستهلكون الوقت. كما أنه فى وجود الأطفال الرضع لا يمكنك القيام بالرحلات و السفر إلى أماكن بعيدة.
فلنكن أمناء مع أنفسنا .. إن الاستعداد لتقديم التنازلات ليس كبير بالدرجة الكافية من كلا الجانبين. حيث تتلاقى ثقافتين مختلفتين يصعب حدوث انسجام بينهما. وكون الزوجين مسلمين فإن ذلك لا يغير من تلك الحقيقة شئ. ذلك لأن الإسلام يمنحنا الإطار الذى نتحرك بداخله. و ليس كل مجال من مجالات التعايش  منفصل بذاته. بين التحليل والتحريم وبين المستحب والمكروه يوجد  قدر  كبير من تفاصيل للأشياء تعتبر نفس الشئ من الناحية الدينية.
كأن تعمل المرأة أو إما أن تنهض بشئون المنزل؟
أو أن تعيش الأسرة فى ألمانيا أو أن تعيش فى وطن الزوج أفضل ؟
أو أى نوع من الأثاث علينا أن نشتريه, تقليدى أم حديث؟
لا يوجد أى زواج يمكن أن نفكر فيه دون وجود أدنى قد ر من الموافقة و الاستعداد لتقديم التنازلات. والقرآن يصف الزواج فى هذا الشأن كالآتى:
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الأعراف:21)

بدون تلك المودة والرحمة .. وبدون ذلك الحب لا يمكن لأى زواج أن يظل. فى هذه الحالات يسمح الإسلام – على عكس الكنيسة الكاثوليكية – بالطلاق.  ورغم تواتر الكثير من الأحاديث فى هذا الشأن لا يكون الطلاق لرغبة الرجل فقط وإنما بناء على رغبة المرأة أيضاً. وهناك مثال يكثر دائماً ذكره فى هذا الشأن وهو قصة حبيبة بنت سهل والتى طُلقت من زوجها ثابت بن قيس فى عهد النبى محمد . حيث قالت:
روى البخاري والنسائي عن ابن عمر رضى الله عنهما:
"أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت:
-" يا رسول الله ..  ثابت ابن قيس, ما اعتب عليه فى خلق ولا فى دين, ولكنى أكره الكفر فى الإسلام."
فقال صلى الله عليه وسلم:_"أتردين عليه حديقته؟"
قالت:-"نعم"
 قال رسول صلى الله عليه وسلم:
-"اقبل الحديقة وطلقها تطليقة." *
فتم طلاقها بعد أن ردت  عليه المهر الذى قدمه لها من قبل.
ورغم أن الطلاق فى الإسلام سهل لا تعقيد فيه إلا إنه  أبغض الحلال عند الله. 
إن الطلاق أمر جلل كما أن الزواج أمر جلل.

أنا ومحمد قررنا جدياً أن نتزوج مع علمنا بالصعوبات التى ستواجهنا فى ذلك النوع من الزواج. 
ولقد كان الأساس المشترك الذى نتعامل به مع بعضنا البعض هو:
القرآن وسُنة النبى محمد.
أما النزعة الثقافة فهى موضوع مفتوح للمناقشة .. الثقافة المصرية والثقافة الألمانية على حد سواء. 
إننا ننظر لزواجنا على أنه فرصة للتعلم من أحدنا الآخر.
ونحاول أن نجمع بين مزايا كلا الثقافتين. 
هذا النوع من الزواج الثقافى بإمكانه بناء جسر بين الثقافات المختلفة ومحاربة ميول العنصرية فى المجتمع. ويذكر فى القرآن:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" (الحجرات: 13 )

ولإن سألتنى عن مشاعرى تجاه محمد.. رغم كل الأوقات المرة والحلوة .. لقلت لك:

_"لو أتيحت لى الفرصة فسأتزوجه مرة أخرى."