فتاة ألمانية تدخل الإسلام



ولدت فى عام 1967 فى  Sauerland إحدى المدن  الألمانية الصغيرة. وفى الريف تربيت أنا وأخي الذي يصغرني بعام ونصف. وكان يقطن كل من أبواي وأجدادي فى منزل واحد.
جـــدي كان مديراً بإحدى المدارس الابتدائية, أما أبى فكان يود أن يصبح مشرفاً لإحدى المحميات الطبيعية, ولكنه صار اليوم بدلاً من ذلك مدرس أول بإحدى المدارس الثانوية. ومع ذلك فهو لا يزال يحب الطبيعة فوق كل شئ, بل بدأ حتى يفقد حبه للمسيح, مما تسبب ذلك فى حزن جدتي كثيراً.أما جـــدتي فكانـت تتمتع بإيـمان عميق, وكانت عضـوه فى إحدى الكنــائس الإنجيلــية. ومنذ شبابها وهى تعمل بتفان داخل الكنيسة, وكانت تبذل قصارى جهدها لتكون قدوة   مسيحية صادقة لأطفالها.
          
أما جدي لا يكاد يطلق عليه لفظ مؤمن. تلك هى الحقيقة التى اكتشفتها جدتى .. فقط بعد زفافها. فلقد اتضح لها أن ذهابه المنتظم إلى الكنيسة لم يعد الدليل الكافي على إيمانه بالعقيدة المسيحية أصلاً.
وإلى يومنا هذا مازال يعقب زيارات الصلاة الجماعية مناقشتين حادتين بين جدى وجدتى, إحداهما عن العقيدة المسيحية بصفة عامة, والأخرى عن مضمون خطبة الوعظ الأخيرة التى حضراها بصفة خاصة. بالطبع لم يترك هذا المشهد أطفالها دون تأثير, فلقد صار أحد أبناءها الثلاثة عضواً داخل الكنيسة الإنجيلية.بينما نشأت أمى فى بيت كان التدين فيه شيئاً فطريا,ً كالخبز الذى نتناوله كل يوم, والنوم الذى ننامه كل ليلة. فلم يكن يدخل الإيمان فى مناقشة البتة. بل لم يكن هناك شيئاً فى الواقع تدور حوله المناقشة أصلاً. خاصة أمى .. الطفلة المدللة, والتى كانت الابنة الوحيدة, لم تُسأل أبداً عن رأيها فيما تعتقده. ولا جدال أن تعمل والدتى كبائعة فى محل أبيها .. الخباز. فما هى فائدة البنت إذاً؟ .. حتى يومنا هذا تندم أمي لأنه لم يكن مسموح لها تعلم أى مهنة أخرى غير البيع فى مخبز والدها. 
ومضت سنوات وتزوجت أمى بابن المعلم .. أبى .. الذى كان عضواً نشيطاً داخل جمعية الشبان المسيحيين.وكان الإيمان المشترك لكلاهما هو الأساس الأكيد لزيجة صالحة.

زواجاً مبنياً على صخر!
ولكن ذلك الصخر  بالتحديد هو الذى سرعان ما تقلقل بمرور السنين. فبينما كانت جدتى أول سيدة أختارها مجلس الكنيسة لتكون من كبار الأعضاء,  فارق أبواى الطائفة الواحد تلو الأخر. إلى أن جاء يوم عليهما لم يعد فيه بينهما أى شئ مشترك. وبُذلت محاولات لا حصر لها كى يتفاهما ويتقاربا ولكن دون جدوى, فانتهى زواجهما بالطلاق فى عام  1986.. بعد مرور 20 عاماً من الزواج.

فى تلك الفترة لم أعد أنا وأخى نتمسك بكثير من التعاليم المسيحية مما سبب حزناَ شديداَ لجدتى. ورغم أننا كنا نذهب إلى دروس الكتاب المقدس ونشترك فى أنشطة جمعية الشبان المسيحيين, إلا أننا لم نعد ننتمى نهائياً إلى الطائفة الإنجيلية. فلم يتم تعميدنا بالفعل حتى الآن. فالكنيسة الإنجيلية لا تقوم بأى تعميد للأطفال, وإنما تقوم بتعميد أعضاءها فى سن  معين  يكون اعتناقهم فيه للمسيحية بمحض إرادتهم. لذا قررت أنا وأخى ألا يتم تعميدنا عندما نصبح فى مثل ذلك العمر كبقية أعضاء الطائفة.

ليس صحيح أننى لم أهتم بدينى, فلقد كان به دائماً شيئاً ممتعاً,  مثل الحث على التأمل, وإعطاء الأشياء مغزاها. فالمسيحية بها أشياء يمكن قبولها: كالإيمان برب واحد يتصل بالبشر عن طريق إرساله للأنبياء. هكذا يعلم الرب الناس أين يقفوا, وكيف يجب أن يتكيفوا مع بيئتهم, ومع بعضهم البعض.

إلا أنه تبين لى فى الحال أن التعاليم "المسيحية" من السهل تغييرها بسرعة شديدة.فما تعلمنا إذاً التعاليم المسيحية؟

"كل إنسان خاطئ."
"كل إنسان  منذ  أن يولد إلا ويحمل على عاتقه الخطيئة الموروثة" (*)
" وأن الرب قد أرسل ابنه إلى العالم كى يتعذب ويموت على الصليب ليخلصنا من وزر تلك الخطيئة. " 
إلى من كان يصلى بتلك الحرارة الشديدة وهو على جبل الزيت؟
والذى كان ظهوره بمثابة نقطة تحول فى التاريخ قسمت البشرية إلى حقبتين "قبل" و"بعد" المسيح, وأن مجرد الإيمان به فيه الخلاص.  ألم يقل عن نفسه:
-"أنا الطريق,أنا الحق والحياة. لا أحد يقدم على الآب إلا من خلالى."( يوحنا 6 : 4 )
(*) يعتقد المسيحيون أن كل فرد يولد إلا ويحمل على عاتقه ذنب أبينا آدم, ألا وهو أكله من الشجرة (شجرة المعرفة) التى نهاه الله عنها .. تلك هى الخطيئة الموروثة.   ونحن نعتقد أن الله أدرك أبينا آدم برحمته وألهمه كلمات التوبة. هكذا انتهى أمر تلك الخطيئة بكل بساطة. 
لقد بدأت هذه الإشكالية بتوجيه الأمر الربانى  إلى ذلك المخلوق الجديد .. آدم:
"وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ" ( البقرة : 35 )

وانتهت تلك الإشكالية بهذا الخبر الذى  ورد فى القرآن الكريم:
"فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" ( البقرة : 37 )

وكانت تلك الكلمات .. وتكون .. من أفضل ما يدعو به المسلم طلباً لمغفرة ربه واستجداءً للتوبة من الله تعالى. فكانت تلك الكلمات كافية للانتهاء من أمر تلك الخطيئة "الموروثة":

"قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " ( الأعراف : 23 )    

ولكن نحن نسأل:
ما بال الخطايا الأخرى التى ارتكبها أبناء آدم مقارنة بالجريمة الأولى؟
هل الأكل من تلك الشجرة أهون عند الله من قتل هابيل لأخيه قابيل ؟
وما بال الحروب الفظيعة التى ارتكبها الإنسان ضد أخيه الإنسان؟
 إن التاريخ حبلى بالكثير من تلك الجرائم التى مازالت ترتكب فى حق الإنسانية إلى لحظة قراءتك لهذه السطور ..  عزيزى القارئ . 
                                                                                                                           تعليق المترجم
وبموت المسيح لم تعد الناس فى رعب من الآخرة.  فالرب محبة. فكيف يمكن أن توجد هناك جحيم؟! حتى الشيطان نفسه لم يعد له أى وجود, والذى كانت تستخدمه الكنيسة كوسيلة تضغط بها على أفرادها كى تجعلهم يواظبون على الحضور إلى الكنيسة ..  وذلك إغراءً  لهم.

أما الآن فتقتصر التعاليم المسيحية المعاصرة إلى حد بعيد على "حب الجار". فطالما أننى لا أضير أحداً فكل شئ مباح. يقول المسيح:
"لا تظنوا أنى جئت لألغى الشريعة أو الأنبياء. ما جئت لألغى بل لأكمل" ( متّى 7 : 5 )
إلا أن ذلك يبدو نفس الشيء فى المسيحية الحديثة. فلقد انتهى عصر "الوصايا العشر". ففى عصرنا هذا تُفهم المسيحية  على أنها شيئاً جديداً. فالكنيسة تتواكب مع العصر. ولو كان ذلك ليس بالسرعة الكافية وهوى أعضائها. ولم يعد يحظى الإنجيل بأى ثقل .. لكن من المحتمل وجود بعض الحقائق فى ذلك الكتاب.
ولكن ما هى تلك الحقائق؟
من يمكنه أن يقرر ما هو صحيح, وما هو غير صحيح؟ 
ما يصلح, وما لا يصلح؟
الكنيسة؟
أم رجال الدين؟
أم كل فرد لنفسه؟ 
ألا يقوم كل شخص بفبركة معتقده حسب علمه, وما أوتى من معارف شتى؟
فلنكن صرحاء مع أنفسنا ولا نسمى نتاج كل ذلك بعد الآن بالمسيحية. فلنسميها إذاً "الريتشاردية"  نسبة إلى أى شخص يدعى Richard أو "اللويزية" نسبة إلى أى فتاة تدعى Luise أو أى اسم شئت أن تطلقه عليها.

سيحتج الآن المسيحيون المؤمنون قائلين أن كل تلك الأناجيل التى عندنا أساسها الوحى. 
حسناً .. أين هو  إذاً؟
أين تلك الكلمات الحقيقية  التى أنزلها الرب على عيسى الناصري؟

لا توجد إشارة واحدة عن تلك الكلمات فى أى فصل من فصول هذه الأناجيل. فالآيات الرئيسية التى صنفتها الكنيسة يرجع أصلها إلى أخبار تاريخية وخطابات تم إقرارها فى مؤتمرات رجال الدين, ثم تم إعلانها بكل بساطة مذهباً للدولة.

ولقد سمعت كثيراً تلك العبارة:
_"إن هذا ليس بمقدورك أن تفهميه. بل عليك فقط أن تؤمني بهّ"  
أنا أؤمن أن الله قد وهبنا العقل كى نستخدمه. وأؤمن أيضاً بأنه عندما تطرح أسئلة على رسالة الرب فإنه يجب عليها أن تقدم أجوبة أكثر.

ذلك ما قلته  ذات مرة إلى معلم الدين عندما كنا نقضى أنا وفصلى عطلة نهاية الأسبوع بأحد الأديرة, قبل أن انتهى من دراستى الثانوية. 
" أيام التأمل" .. هكذا كان يطلق على تلك العطلات.
ولقد فاجئنى المعلم قائلاً :
_" إن الرب لن يدعك ..  ولسوف تنظرين"

فى النهاية اتضح أنه على حق رغم أنه كان يتصور شيئاً آخر*. فلقد اشتعل ثانيةً اهتمامي بالرب والدين عندما صادفنى الإسلام.



* تقصد الكاتبة أن الله فعلا لم يتركها إلا وهداها إلى دينه الكريم. رغم أن المعلم كان يتوعدها بعقاب الله بقوله: "إن الرب لن يدعك". ذلك هو التصور الآخر الذى كان يتصوره.
   تعليق المترجم 

ثم انتقلتُ بعد الثانوية العامة إلى المدينة الكبيرة, كى أبدأ دراسة الاقتصاد بالجامعة. فى تلك الآونة فكرت أن اختياري لدراسة اقتصاد علم المؤسسات اختياراً معقولاً بالنظر إلى فرص العمل فى المستقبل. بل لم أكن أهتم بتلك المادة كثيراً. وكنت أعتقد  أن مرحلة الدراسة سوف تنقضى فى الحال.
إلا أن الأيام الأولى لى فى الجامعة كانت محبطة بالفعل. فلقد كنت أجلس فى قاعات مزدحمة عن آخرها, مما يجعلنى أشعر بالاختناق. فضلاً عن المحاضرات المملة التى يلقيها أساتذة مملون, أمام طلبة مملين كذلك. 
" افتح من فضلك صفحة 17 من كتابى! نقرأ فيها ... ". 
" هل رأيتى الشقراء الطويلة فى المقعد الثالث , يميناً, ماذا ترتدى منذ اليوم؟"
" هل معك ولاعة؟"
إلا أن حياتى كطالبة كانت ممتعة للغاية منذ البداية. ففى مرحلة الطفولة كنت أعيش فقط فى المدينة الصغيرة حتى دراستى بالجامعة. نعم .. حتى أثناء سنوات وجودى فى الولايات المتحدة الأمريكية, كطالبة بهيئة التبادل العلمى, كنت أسكن فى مقاطعات صغيرة, وكان الذهاب إلى الكنيسة أيام الآحاد شيئاً "إجبارياً!".

أما فى الجامعة ..الآن .. فقد بدأ عالم جديد ينفتح أمامى. فكان مثيراً أن أتعرف على أناس شتى, وأن أتناقش معهم عن الرب والعالم. وكان بعض الطلبة الأجانب من المسلمين. هكذا صار هناك مجالاً للتحدث عن الإسلام. وكان شيئاً مسلياً أن أجد أناس مازالوا فعلاً يتمسكون إلى يومنا هذا بقوانين من العصور الوسطى. ولكن عملياً بدا كل شئ مختلف عما كنت أتصور. فحياة الطلبة الأجانب المسلمين داخل ألمانيا لم يكن لها أى علاقة بألف ليلة وليلة. فى البداية كنت أسأل ساخرة جيرانى فى المدينة الجامعية قائلة:" لماذا لا تذبح الطماطم طبقاً للذبح فى الشريعة الإسلامية؟"
-"أو لماذا يذكر المسلم الرب قبل الطعام, ثم يتلو دعاء الشكر بعد فراغه منه, ولا يفعل نفس الشيء عندما يتناول كأساً من النبيذ  عند جلوسه فى الحانة؟!"
إلا أننى كلما رأيت أو سمعت عن الإسلام كلما شعرت برغبة أقل فى السخرية من المسلمين. فى الحقيقة لم يكن ذلك الدين غريب جداً على بالطريقة التى كنت أعتقدها دائماً. فلقد وجدت فيه الكثير من الأشياء التى كانت تجذبنى دائماً فى المسيحية .. طبعاً ما كان ينطوى على الإيمان بالرب خاصة.
    
 إن الإسلام دين شديد التوحيد. فهناك رب واحد فقط. "رب: Gott " تعنى باللغة العربية "الله: Allah" هذه الكلمة لا تعنى بالفعل شيئاً آخر غير "الرب", ومعلوم أنه تم استخدام لفظة "الله" فى الإنجيل الذى تم ترجمته إلى اللغة العربية. كما يؤمن المسلم, و المسيحي أن الرب قد أرسل الأنبياء ليدلون الناس على الطريق الصحيح.

بل و ظهرت لى فى ذلك أسماء بدت لى وكأننى  كنت أعرفها من قبل مثل: نوح وإبراهيم و موسى ذكريا ويحيى بل وعيسى أيضاً. وعرفت أن محمد بن عبد الله الذى ولد بشبه الجزيرة العربية فى القرن السابع بعد الميلاد أنه آخر الأنبياء. وأنه بشر بالقرآن الذى تستند عليه كل التعاليم الإسلامية, وكذلك كل الحياة الإسلامية.
وبدأت بدراسة هذا القرآن. 
"ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ"  
يُذكر هذا عن القرآن نفسه.
لاشك فيه .. حتى من قِبل علماء الغرب الغير المسلمين, على الأقل نصوص القرآن, إنها تعد دليلاً على صحة القرآن. حقاً إن النصوص التى قام محمد منذ 1500 عاماً إلا قليلا بإملائها على أصحابه نتيجة عدم قدرته على الكتابة لتعد معجزة من الناحية اللغوية, وكذلك المحتوى الدينى الذى بُشر به من خلال إطار فنى يشبه الشعر. ولكنه ليس شعر ولا نثر. ومعلوم أن أى لغة فى العالم تحتوى على لونين من الفن الأدبى: هما الشعر والنثر , إلا اللغة العربية فإنها تحتوى على ثلاث: شعر ونثر وقرأن.
وإلى الآن يعتبر القرآن معياراُ للأدب العربى على الإطلاق. فمضمون القرآن وكذلك شكله جديران بالملاحظة. فهو بأى حال من الأحوال ليس كما دأبت إحدى المستشرقات على وصفه فى وسائل الإعلام بأنه "كتاب تاريخ عربى"  .
على العكس من ذلك يحتوى القرآن على معارف مدهشة فى مجال الطبيعة,                    و الاجتماع, وكل شئ على الإطلاق يمس حياة الإنسان, بأى شكل من الأشكال. فتجد أن أول آية نزلت تشير إلى الخلق:
"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) "  ( سورة العلق)



هل تعلم مثلاً أن القرآن يتحدث فى قصة يوسف  عن ملك, وفى قصة موسى يتحدث عن فرعون ؟لقد عرفنا سبب ذلك عن طريق عالم التاريخ القديم  جين فرنسوا شامبليون بمساعدة حجر Rosetta (رشيد) حيث أمكن تفسير اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة بمساعدة العلم الحديث.فاتضح أنه فى العصر الوسيط قامت القبائل القادمة من آسيا "الهكسوس" باحتلال الجزء الشمالى من مصر حاليا,ً وقامت بتأسيس مملكتها هناك. بالتالى فقد وقعت قصة يوسـف فى ذلك العصــــر. وارتقى يوسـف من بين الهكسوس منصب مستشار الملك.

وفى عصر الهكسوس نزح شعب إسرائيل إلى مصر حيث رُحب بهم بحفاوة. وفى القرن السادس عشر قبل الميلاد, فى فترة حكم الفرعون أحمس, تمكن المصريون من غزو شمال البلاد واسترداده.وقد تم أسر شعب إسرائيل لمساعدتهم لسلطة الاحتلال البغيضة.لهذا يتضح سبب استعباد شعب إسرائيل أثناء وجوده بمصر فى عهد موسى. ومعلوم أنه يمكن التفريق بسهولة بين "ملك" الهكسوس و "فرعون" المصريين الذى ذكر فى قصة موسى (يونس: 92 ): 
"فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ"  
إن فى ذلك إشارة إلى تحنيط فرعون. 
أو تأمل آيات القرآن التالية  التى تتكلم عن الخليقة:
"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُون"  (الأنبياء :  30 )

إن ذلك يطابق أحدث الأبحاث العلمية. وهل تعلم أننا طبقا لما ورد فى القرآن لا نعيش "فوق" الأرض بل "داخل" الأرض؟
إن ذلك إشارة إلى الغلاف الجوى المحيط بالأرض والذى بدونه لا نستطيع أن نبقى على قيد الحياة. فلتفكر فى السرعة الهائلة التى نتحرك بها فى الفضـاء نتيجة الدوران المستمر لكوكب الأرض. وحاول أن تفكر أيضاً فى الرياح الناتجة عن السرعة الهائلة لدوران الأرض فى الكون.
هل باستطاعتنا أن نتحملها إن لم يكن هناك غلاف جوى؟!

كما أن القرآن يصف ظواهر الطبيعة بداية من تكوين السحاب إلى تطور مراحل الجنين فى بطن أمه,  وكذلك من عملية الهضم إلى ظاهرة تمدد الكون.
إلى وقتنا هذا لم تظهر أى اكتشافات علمية تتناقض مع ما يماثلها من الحقائق فى الآيات القرآنية, بل على العكس تماما,ً حيث يمكن فهم بعض الآيات القرآنية بمساعدة أحدث المعارف العلمية بكامل ما تحتويه من تفسيرات.

مراراً وتكراراً يطلب القرآن من قارئه أن يسمع و يرى و يتدبر!

بفضل القرآن صار بإمكان البدو والتجار أن يقيموا نظاماً اجتماعياً ازدهرت فيه الثقافة والعلم فى زمن كانت تسيطر على أوروبا أشد عصور الظلام.

*ارجع إلى مقال "معجزة الإسلام"  وكذلك آيات الإعجاز العلمى فى القرآن التى عثرت عليها من أحد المواقع الألمانية الإسلامية : www.Teblig.de.                                              تعليق المترجم
وعن الإيمان نفسه ورد فى القرآن:
" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم ٌ " ( البقرة : 256  )        
والحق أن الدين الإسلامي واضح جداً كالشهادتين:
" لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله".
الخطيئة الموروثة؟
ذلك الشئ لا يعرفه الإسلام. فلقد ورد فى القرآن:
"وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" ( المائدة : 164 )               
فبعد أن أذنب آدم وحواء , عَلّمهما الله التوبة, فالتائب أو التائبة يتوجه إلى الله الرحمن. هنالك ليس من الضرورى تقديم القرابين لتقوم بذلك نيابة عنه.
ابن الرب؟
"قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد."  (الإخلاص)
 إن عيسى الناصرى كان نبياً, لا أكثر من ذلك ولا أقل.
نقطة تحول فى تاريخ البشرية؟
لا مطلقاً!
على العكس من ذلك, فالتاريخ يثبت استمرارية الأحداث بلا انقطاع. منذ البداية كان يوجد فقط هذا الدين الواحد, الخضوع إلى الـرب الواحـد, وذلك يعنى باللغة العربية:" الإسلام". وكل الأنبياء بشروا بهذا الديــن, من بينهم إبراهيم وموسى وعيسى, وكان محمد آخر تلك الأنبياء.  وبالتأكيد كان محمد بشراً مثلى ومثلك. والخطبة التى ألقاها صديقه أبو بكر بعد وفاة الرسول مازالت موجودة حتى يومنا هذا :
-"أما بعد .. من كان منكم يعبد محمد صلى الله عليه وسلم, فإن محمد قد مات. ومن كان يعبد الله فإن الله حيى لا يموت."
وتلا على الناس تلك الآية مذكر هم إياها:
" وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ"  ( آل عمران : 144)   

الكنيسة؟
لا يوجد شئ بهذا المفهوم فى الإسلام مطلقاً. فلا يوجد تنظيمات, وتدرج الرتب, ولا أسرار. وكل مسلم يمكنه أن يعظ ,كما يستطيع  فرد أن يعقد زواجاً , أو أن يؤدى صلاة الجنازة.
تفسير الكتاب المقدس؟
كل المسلمين سواء بالنسبة لركن الشهادة. الرب هو الرب والأنبياء كانوا بشراً, والقرآن كلمة الله كما أن كتب الأنبياء السابقين كلمة الله .. الملائكة حق , وكذلك القيامة.          كما ينشغل علماء الدين الإسلامى على العكس من أقرانهم من علماء اللاهوت المسيحي بالاستخدام العملى للقواعد الدينية. فهم يصدرون آراء دينية على أساس من القرآن وسنة النبى محمد , يطلق على  تلك الآراء المتخصصة  FATWA"فتوى". لأنه لا يملك أى عالم دين إسلامى سلطة إلهية فمن الممكن أن نتبع تلك "الفتوى" أو لا .

يؤمن مليار إنسان تقريباً على مستوى العالم بهذا الدين. والإسلام لم يفقد حتى يومنا هذا قوة جاذبيته. والكلمة العربية "إسلام" لها نفس أصل كلمة "سلام". فالإسلام يعنى أيضاً أن تجد السلام .. السلام مع الرب, ومع العالم ومع نفسك أيضاً.

لقد أدركت ذلك واندهشت, بيد أننى لم أكن أريد أن أقتنع بتلك الحقيقة, ذلك لأن الإسلام لم يكن على التو ديناً سهلاً. ببساطة وسهولة لم يكن عندى أى رغبة فى أن أكون مسلمة. فلقد كنت كسولة للغاية. و الإسلام سيكون شاق على, لأن الإسلام شئ واقعى, شئ ينفذ إلى كل خيوط الحياة, شئ يخترق ويغير.
بينما تميل المسيحية فى هذه الأيام إلى تجاهل الواقع .. تظاهر بالورع .. حلة يرتديها المرء عند ذهابه إلى الكنيسة, مثل ثوب يوم الأحد,  ثم يضعها بعد ذلك فى الدولاب بقية الأسبوع. 
بالرغم من ذلك فقد بدأت بعد فترة من الزمان فى تجربة الإسلام عملياً. فصمت فى شهر رمضان مع جيرانى المسلمين, وهذا يعنى أننى لا آكل ولا أشرب أى شئ من الفجر إلى غروب الشمس. وفى المساء كنا نتقابل لنتناول الإفطار. حتى أنه قد أتيح لنا أن نطهو مع بعض.
على الأخص شخص مصرى .. يدعى "محمد", كان يطهو بطريقة فائقة تماماً. لقد كان محمد أيضاً هو الذى ساندنى فى منتصف الشهر تقريباً. لقد تشجع, لأنه ليس هناك حياء فى الدين, وفسر لى أنه يأتى وقت على  المرأة لا تصوم فيه.. فى النهاية أدركت أنه يقصد الدورة الشهرية .. فقط, أتى التنوير فى رمضان هذه المرة متأخراً شيئاً ما.
فى ليالى رمضان صارت لى فرصة مشاهدة الصلاة. بل قمت بتجربة ذلك أيضاً, فتمرنت فى حجرتى وصليت كم رأيت الآخرين يصلون, فانحنيت ثم سجدت. ولأنى لا أعرف الآية التى قيلت فقد ترجلت وقلت"أبانا الذى فى السماوات". 

وبدأت كذلك فى رمضان بتقليل استهلاكى من الكحول ولحم الخنزير. حتى أننى ذات مرة قمت بالتجول فى المدينة الجامعية مرتدية الحجاب, فقط لأرى كيف أشعر وأنا مرتدية للحجاب.وأخيراً عرفت سبب إيداع الطلبة الفلسطينيين لزجاجة مياه فى الحمام ببيت الطلبة. فمن البديهى بالنسبة للمسلم أن يغتسل بعد الذهاب إلى الحمام, ولأن الحمامات فى ألمانيا على العكس من مثيلاتها فى البلدان الإسلامية ليست مجهزة عادةً بشطاف يدوي أو أى تجهيزات أخرى مشابهة, يتم استخدام زجاجة المياه لهذا الغرض. ومن المضحك لهؤلاء الطلبة أنهم وجدوا أن Werbslogan إحدى الشركات المشهورة بإنتاج الفوط المبللة تكتب تلك العبارة على منتجاتها:
 AS FRESH WASHED!      وكأنه قد غسل لتوِِه!  WIE FRISCH GEWASCHEN
ولقد وجد أغلب الطلبة من المسلمين فى الجامعة أن اهتمامي بالإسلام شيئاً مثيراً للدهشة. ففى الواقع لم يكن كثير من المسلمين أنفسهم يلتزم بالأوامر الإسلامية على أكمل وجه. ولطالما سمعت تلك العبارة:
_"بالطبع أنا مسلمة.  ولو كنت فى البيت, فى وطنى, لعشت طبقاً لما فى القرآن. ولكن هنا فى أوروبا كل شئ مختلف. كما أننى مازلت شابة, و مازال يوجد فى المستقبل وقت كافى للتدين."

وعلى الجانب الآخر كان يوجد أيضاً أناس قليلون يجتهدون بشدة فى أن يعيشوا طبقاً لعقيدتهم. أحد جيرانى فى المدينة الجامعية الذى ينتمى إلى تلك النوعية, محمـــد ..  هذا  الذى كان يطهو بطريقة رائعة ووقف بجانبي فى شهر رمضان.
محمد أتم دراسة الفيزياء الطبيعية, وأتى إلى ألمانيا كي يأخذ الدكتوراه. فى الوقت الذى تعرفت عليه فيه كان قد مر عليه ستة شهور فى ألمانيا, ويذهب إلى دورة تدريبية ليتعلم الألمانية فى الجامعة.

دينه .. الإسلام .. يعنى ببساطة كل شئ بالنسبة له. وكان يحظى بمعلومات وفيرة عن الإسلام. ومن بين كل العرب الموجودين فى المبنى يعد محمـــــــــد أيضاً حالة استثنائية تماماً. فهم يسمونه .. " الشيخ". اسم  لا يناسب مطلقا شاب يبلغ من العمر 24 عاماً .. شاب رياضى , ذو شعر أسود مجعد, هائج خصلاته. ولم يولع محمد فى قرارة نفسه بذلك الاسم مطلقاً. فلقد قال لى ذات مرة أن المسئولية المرتبطة بذلك اللقب ضخمة للغاية. وبالفعل كان كل شخص يحتاج إلى النصيحة أو أى مساعدةٍ ما  يتوجه إلى .. " الشيخ".
فربما كان يحتاج طالب إلى غرفة, أو أن شخص يحتاج إلى الذهاب للمستشفى , أو أن شخص يريد أن يبيع كتبه الدراسية القديمة.
 .. الكل كان يقصد محمداً فى قضاء حوائجه. 
فى البداية كانت معرفتنا لبعضنا البعض تتسم بالبطء, ذلك لأن محمد يبذل قصارى جهده فى الحفاظ على سمعته كمسلم قدوة. لذا كان يبعد عن أى  إمكانية للإغراء. والنساء تعد أيضاً من بين تلك المغريات بالنسبة للمسلم الملتزم. إلا أن التزامه فد تغلب على ذلك فى النهاية.

فهل يستطيع أحد أن يرد شخصاً أبدى اهتمامه بالإسلام؟

وكان الحديث مع محــــــــمد ممتعاً. فنادراً ما قابلت شخصاً متفتحاً مثله. وكنا نتحدث دائماً عن مسائل فى الديانة عامة, وعن الإسلام خاصة.ومن الطبيعي أن تتم تلك المناقشات فى أماكن "محايدة", أو فى غرفة محمد على أن يكون الباب مفتوحاً على مصراعيه, حتى لا ندع أى فرصة لحدوث ظن سيئ تجاه نوع علاقتنا. ولقد تعلمنا من بعضنا البعض كثيراً فى تلك الفترة. وبدأ كل منا يرى الدنيا بعين الآخر. فلقد صار محمـــــــد من أكثر أصدقائي وثوقاً.

أما بالنسبة لدراستي, فقد فقدت اهتمامي كلياً بدراسة الاقتصاد. فلقد كانت نتيجة الامتحانات الأخيرة سيئة بسبب التزامي المتردي فى الدراسة. لذا قررت أن أجعل من هوايتي مؤهلاً أدرسه. فبدأت بدراسة العلوم الشرقية. و كان تحقيقي لمستوى طيب فى تلك الدراسة الجديدة ربما يكون أنفع لى فيما بعد من مستواي الردىء فى الاقتصاد. 

ولأننى لم أترك لأبى أى فرصة للاختيار فقد وافق مرغماً فى النهاية على تحويلي لمجال دراستي. وفجأة صارت الدراسة بخطوات حثيثة, فقد احتُسبت الدرجات فى مادة الاقتصاد, وأضيفت إلى المادة الفرعية وهى علم الاجتماع. هذا بالإضافة إلى أننى استمتعت بدراسة مادتى الجديدة. فقد أتاحت لى مادة ثرية للنقاش بينى  وبين محــــــمد. 

وأبدى محمـــــــد كذلك نفس الاهتمام تجاه الدراسات الشرقية فى ألمانيا قائلاً:
_" بذلك يمكنني أن أستمع إلى ما يحكونه لكى فى ألمانيا . كما أن ذلك سوف يفيدنى فى دراستى للغة الألمانية."

ولقد أفادنى اهتمامه بدراستى. فكان يساعدنى فى واجبات اللغة العربية ويشرح لى الروابط التاريخية. واستنتجت بالفعل أن السياسة والتاريخ كانتا دائماً هوايته الكبرى. بيد أننى لم أكن أبدى أى اهتمام خاص بتلك الأشياء من قبل.  ومازال محمـــد يندهش _ إلى يومنا هذا_  من كثرة الأشياء التى لا  أعرفها.

فى تلك الفترة انحزت نهائياً إلى جانب المسلمين. فبدأت أغضب من الأساتذة والمعيدين غير المسلمين والذين يعاملون المسلمين بنبرة تملؤها السخرية والعجرفة. بالرغم من ذلك لم أستطع أن أتصور ولو لمرة أن أصبح مسلمة. فما يصلح للرجال العرب ليس لابد أن يصلح أيضاً للنساء للألمان. كما أننى من عالم مختلف تماماً عن عالم العرب والأتراك والإيرانيين. 

فكيف تستطيع امرأة ألمانية أن تعيش كمسلمة؟

إلا إنني قد سمعت عن تلك النساء, بيد أننى لم أقابل واحدة منهن حتى الآن؟ هذا ما قد فكرت فيه على الأقل. ولقد اكتشفت مصادفة قبل انتهاء الفصل الدراسي الصيفي بفترة وجيزة أن إحدى زميلاتي فى دورة اللغة العربية كانت ألمانية مسلمة. وكان الجو بارداً فى الشتاء. وكانت كل مرة تخرج فيها من الفصل تسحب شالها على رأسها. وذات مرة توجهت لسؤالها عما إذا كانت هناك أسباباً أخرى غير برودة الجو؟!
كان اسمها "هايدى" .. تعمل كمعلمة, ومتزوجة بأحد المسلمين اللبنانيين, وبعد أن اعتنقت الإسلام اتخذت"خديجة" اسماً لها. وهى تشارك معنا فى دورة تعلم اللغة العربية فى إطار دراسة مناهج التربية للأجانب.وعلمت منها أن فى مدينتى يوجد جمعية للنساء المسلمات من متحدثات اللغة الألمانية. وبعد فترة وجيزة قررتُ قبول دعوتها لمرافقتها فى إحدى المرات عند الذهاب إلى تلك الجمعية. 
ومنذ ذلك الحين صارت كل الأمور تمضى بسرعة.

  عندما أتى اليوم المتفق عليه تقابلت أنا وهايدى فى وسط المدينة , ثم أخذتني فى السيارة إلى تلك  المقابلة. وفى تلك المرة كانت ترتدى حجاباً "صحيحاً" قد لفته حول رأسها بطريقة أنيقة, يعلو جبهتها, مزيناً باللآلئ. وأنا أيضاً كان معى منديل فى حقيبتي. وكنت متوترة قليلاً. فكيف سيستقبلوننى وأنا "غير مسلمة"؟  و ما بال النساء اللاتي سأقابلهن هناك؟
 فخففت هايدى من حدة توترى. فهن دائماُ يرحبن بضيوفهن .. وهناك لن يعد لى حاجة حقيقية لارتداء الحجاب.
ورغم أن هايدى حديثة العهد بالإسلام إلا أنها كانت على معرفة ممتازة بكل الأوساط الإسلامية فى مدينتنا. لم يكن لها شأن بـ"أنصاف الأشياء" فاعتادت أن تؤدى كل الأشياء بإخلاص متناهى. لذا كانت على استعداد تام للتدريس فى المدارس الإسلامية إذا اقتضى الأمر. وأثناء الطريق شرحت لى هايدى ما ينتظرنى فى المقابلة:
_" الجمعية تتكون تقريباً من 30 امرأة من أصل ألمانى وتركى, ويجتمعن مرة كل أسبوع فى إحدى قاعات النوادي الإسلامية التركية. مريم, رئيسة الجمعية, ألمانية مسلمة, تبلغ من العمر خمسين عام تقريبا,ً عاشت مع زوجها لفترة طويلة فى تركيا. وشاركت هى وزوجها هناك فى لكثير من النشاطات الإسلامية. فى تلك الأثناء توفى زوجها فواصلت نشاطها فى ألمانيا. فهى تلقى محاضرات بانتظام عن الإسلام, وكان لها الفضل فى إعادة تلك الجمعية إلى الحياة. و اليوم ستقص مريم شيئاً عن الإسلام, بعد ذلك تجلس السيدات اللاتي مازال عندهن رغبة فى المسامرة مع بعضهن البعض. كما أننا نقوم بإعداد الشاى والكعك بأنفسنا."
هذا الأسبوع كان الدور على هايدى فى إعداد الكعك لكنها أخذت وقتاً طويلاً فى الفرن فتأخرت هايدى قليلاً, لذا كانت مسرعة فى طريقها.
_"إن مريم لا تحب من يأتى متأخرا.ً"
ولسوء الحظ لم نجد أى مكان خالى للسيارة بالقرب من مقر الجمعية. لذا قادت هايدى سيارتها إلى البهو. هناك كان الحظ حليفنا, فلقد وجدنا إحدى السيارات على وشك مغادرة مكانها التى كانت تركن فيه. وصادفنا هناك شخصا طيباً, يبدو من ملامحه أنه تركي, أشار لنا كي يساعد هايدي لركن سيارتها فى المكان الخالي.
لقد استهواني ذلك الجمع الصخب, فسألت هايدى:
_"هل يذهب كل الأتراك إلى  هذا الاجتماع؟"
فضحكت وقالت:
_" إن ذلك سيكون جميلاً .. بالطبع لا يذهب الكل إلى الاجتماع. إن هذا المكان يكون مزدحم جداً فى نهاية الأسبوع دائماً لأن  الجمعية التركية لها نشاطاتها الخاصة."

وأقيم الاجتماع المنعقد باللغة الألمانية فى جزء منفصل بالمبنى. وفور دخولنا رحبت الموجودات بنا بشدة.
_" مرحباً يا خديجة!"
_"كيف حالك؟"
_"مدهش. لقد أحضرت مرة أخرى إحدى كعكاتك اللذيذة."
_"إن الأخريات موجدات فى المطبخ."
_"إن مريم على وشك أن تبدأ المحاضرة."
وكانت النساء تسير فى انشغال هنا وهناك, مرتديات للحجاب ويلبسن ملابس طويلة. ودوما ً كنت أسمع التحية العربية:
 " السلام عليكم"
ولقد رحبن بي أيضا, بلً وقبّلونى من وجنتي .فـ"الضيوف" يُرحَب بهم فعلاً. ولقد وجدت النساء ذلك شيئاً جيدا, وهو أن يجرؤ شخص على الدخول إلى  "عريــن الأسد"  ليرى على الواقع بنفسه كيف يعيش المسلمون.
ولا يبدو على ذلك الاجتماع أنه مقابلة للنساء الألمانيات المسلمات فقط, وإنما لغير المسلمات المهتمات بالإسلام أيضاً .. بهذا المعنى أُصبح تماماً فى المكان الصحيح.

لقد تأخرنا فى الواقع. وبدأت المحاضرة لتوها. ثم قامت هايدى ”خديجة “ بوضع الكعكة التى أعدتها فى المطبخ, ثم دخلنا قاعة المحاضرة.ولم يكن بتلك القاعة الطويلة أى أثاث غير سجادة رمادية اللون, ورف صغير للكتب على الحائط.
وجلست النساء مفترشات للأرض على شكل حلقة وقد خلعن أحذيتهن تماماً بالخارج كما يحدث فى المساجد, أو بصفة عادة فى المنازل الإسلامية عامة.

وقد وضعت مريم – رئيسة الاجتماع – كتب كثيرة أمامها على الأرض. ومريم هذه سيدة بدينة تشع عيناها الزرقاوين نوراً يفيض من بين حجابها الأبيض البسيـــــط. 
وتحدثت فى ذلك اليوم عن استمرارية التاريخ كما وردت فى القرآن, كما تحدثت عن مختلف الأنبياء, بيد أنهم كانوا يبشرون بنفس الرسالة.

ولم يكن فى تلك المحاضرة شئ جديد بالنسبة لى. واكتشفت أن الإسلام به الكثير من أنبياء العهد القديم"التوراة" و الجديد"الإنجيل" وإن كانت بعض الحكايات لا تتفق فى كل تفاصيلها, إلا أن الهدف الأساسى يبقى نفس الشيء باستمرار, وهو أن الرب أرسل أنبياءه ليذكروا الناس برسالته.

وأكثر ما أثار إعجابي غير ما قيل هو تلك المستمعات اللاتي يتابعن المحاضرة بتركيز شديد.
_" ومن المدهش أن ينسى الناس دائماً من جديد رسالة الله" ..  قالت مريم.
وبدا لبعض النسوة أن تلك المعلومة شيئاً جديداً حقاً.
وتعجبت: هل تكون معرفتهن بدينهن ضئيلة إلى ذلك الحد؟!
وسألت مريم: 
_"إن فى القرآن سورة كاملة تتحدث عن قصص الأنبياء. من منكن تعرف عن أى سورة أتكلم؟"
لقد كانوا نسوة من مختلف الأعمار , كثيراً منهن ألمانيات الأصل, وفتيات أخريات تركيات, من الواضح أنهن تلميذات. يثرثرن مع بعضهن البعض, ويدخلن ويخرجن باستمرار, فكان يتسبب ذلك فى غضب مريم بشدة .. فصاحت:
_ "إذا لم تردن أن تنصتن فلتبقين إذاً بالخارج .. حالاً!"

كل النساء كانت ترتدى الحجاب .. منه ما كان أسود, أو أبيض, أو ملون, مربوط بطريقة رائعة وفنية أيضاً. بعضهن من تسحب حجابها أكثر على جبهتها, ومنهن من تبدى شيئاً من شعرها.
_"دائماً عندما تواجه الناس مشكلة يتوجهون إلى الله فى الحال, فيما بعد يظنون أنهم ليسوا فى حاجة إليه بعد ذلك."

وقد أحضرت بعض النساء أطفالهن الصغار. فاكتشف أحدهم مفتاح النور, وجعل منه لعبة ولم يرد عن ذلك بديلاً يلعب به.
_" هل باستطاعة إحداكن أن تبعد الطفل عن مفتاح النور؟"

وفى صيحات الاحتجاج الصادرة من الطفل قامت أمه بإدخاله إلى المطبخ ليحوم حول الكعكة, وبذلك ينشغل ربع الساعة على الأقل. ثم علت بعد ذلك صيحات من بعض النساء المشتركات, وسألت إحدى الفتيات التركيات: كم فنجان من القهوة والشاى ينبغى عليها أن تعد , وكم من الوقت بقى لنا حتى نفرغ من المحاضرة؟
فردت مريم فى النهاية:
_" سنواصل حديثنا الأسبوع القادم من حيث انتهينا اليوم. فلنتناول الشاى الآن!"

هنالك أتيحت لى فرصة فى النهاية للتحدث مع بعض النساء.
_"بالطبع كلنا أخوات."
وسرعان ما رُفعت الكلفة بيننا و نادونى بـ"أنت" *
_" هل تشربين الشاى أم القهوة؟"
_"خذى تلك القطعة من الكعك!"
_" ما رأيك فيما يحدث؟"
وسرعان ما تطورت محادثة ممتعة بيننا. بالطبع كان الكل يريد أن يعرف من أكون, وما الذى أحضرنى هنا إلى اجتماع إسلامي.
 وقصت لى مريم كم من الوقت استغرقته حتى اعتنقت الإسلام, فقالت:
_" ولكنى لم أندم أبداً على اعتناقي الإسلام."

ولم تكن هايدى "خديجة" - على العكس من مريم-  على معرفة واسعة بالإسلام حين اعتنقته. ولكنى حتى الآن مندهشة اندهاشاً إيجابياً من السبب الذى أفضى بها إلى اعتناق الإسلام. فكان أكثر ما جذبها إلى الإسلام هى "طريقة الحياة الإسلامية الصحية", حيث الاستغناء عن كل أنواع المكيفات, وكذلك الصلاة, والصيام كرياضة للجسم والعقل والروح, وغير ذلك من الأوامر "الصحية". فبدا لها كل ذلك كمُدرسة ألعاب وأحياء أيضاً شيئاً عظيم الفائدة.


* فى ألمانيا إذا حدثت شخصاً لا تعرفه  بكلمة "أنت" (du) فإن ذلك يعد شيئاً غير مهذباً, حتى وإن كان من تحدثه "طفل". لذا لا ينبغى مطلقاً استخدام ضمير المتكلم "أنت" إلا بين المعارف كالأقارب والأصدقاء. و لابد من المخاطبة بصيغة الاحترام "حضرتك" (Sie).        تعليق المترجم.       
كما أكدت مريم أن أداء الصلوات بالنسبة لها بانتظام عاد بفائدة كبيرة على ظهرها. ثم حكت عن الفترة التى قضتها فى تركيا, كما حاولت أن تفسر لى تاريخ تركيا والذى لم أكن أعرف عنه الكثير.
فى تلك الفترة كنت أحس بالضياع الشديد .. وتعرفت فى ذلك اليوم على الكثير من النساء واللاتى حكين لى كيف أفضى بهم الأمر من واقع تجربتهن الشخصية إلى اعتناق الإسلام.
"حميدة" .. قامت بعد طلاقها بمصادقة عائلة تركية مسلمة مكونة من زوجة وزوج, عرفت عن طريقهما الإسلام وأحبته. بينما ظلت ابنتها نينا  التى تبلغ من العمر 15 عاما على عقيدتها النصرانية, وإن كانت غير متمسكة بها. وهى ترافق أمها إلى تلك الاجتماعات.
فاطمة "اليزابيث" .. فتاة فى منتصف العشرين من عمرها, ما زالت تدرس كى تصبح مدرسة, وكانت تعمل منذ بضع سنوات مضت فى أحد المصانع, أثناء العطلة الدراسية, جنباً إلى جنب مع إحدى الألمانيات المسلمات. وهى تنحدر من أسرة كاثوليكية, وكان كلا والديها واعظاً دينياً. وقد صُدما بشدة عندما وصلهما نبأ إسلام ابنتهما. وقد خفت حدة تلك الصدمة فى السنوات الماضية, ونجحوا أن يعيشوا معاً باستحضار النوايا الطيبة من جانبيهما.
بينما صديقتها زابينا – ممرضة -  والتى دخلت الإسلام عن طريق زوجها, لم يكن لها مثل حظ صديقتها فاطمة, فلقد طردها أبوها من البيت عندما ارتدت الحجاب.

لقد كان فى الاجتماع أمهات وربات بيوت وتلميذات وطالبات بالإضافة إلى سكرتيرة ومتخصصة فى صناعة الأسنان. كان منهن نساء مطلقات, ومتزوجات, ومنهن من لم تتزوج بعد, وكان ما بقى من أزواجهن ينحدرون من تركيا ولبنان واليمن والمغرب وبلاد أخرى شتى. ومازالت بعض النساء تحتفظ باسمهن الذى كانوا عليه قبل دخولهن الإسلام, والبعض الآخر أتخذ اسماً إسلامياً.
كان هناك شيئاً واحداً مشترك بينهن. ذلك الشيء كان دينهن .. دين الإسلام, الذى ملأ حياتهن .. نعم .. أصبح طريقا مرشداً لهن فى حياتهن.
_"إن الإسلام ما هو إلا إطار نحيا بداخله"

وتعلمت شيئين فى ذلك اليوم. أولهما أننى اكتشفت أن الإطار الذى يتيحه الإسلام ليس ضيقاً كما توقعت. والمسلم بكل بساطة إنسان قرر أن يعبد الله وحده. وكذلك تلك النسوة, دخلن الإسلام, وعبدن الله وظللن على دينهن بمحض إرادتهن. أما المساواة و الرتابة اللتان ألقى الحجاب بظلالهما علىّ فقد انقشعا, حيث أتضح بالنظر إليهما عن قرب أن تحته رؤس تحتوى على تشكيلة عظيمة من الأفكار والتصورات وقصص من واقع الحياة. والشئ الثانى الذى تعلمته أننى قد اكتشفت لأول مرة أن المرء لا يتوقف أبداً عن التعلم, حتى لو فى دينه الذى يعتنقه.
ولقد قلت لنفسى , وما "زلت" أقول لها حتى الآن:
_" لكى أصبح مسلمة يجدر بى أولاً أن أعرف عن الإسلام "كل" شئ يجب معرفته. وأنني كنت بعيدة كل البعد عن ذلك المراد."
والآن فإننى قد قابلت كل تلك النسوة  المتمسكات بدينهن ,رغم أنهن لا يعرفن "كل" ما يجب معرفته عن الإسلام. فأيقنت أن العامل الحاسم ليس فقط معرفة الدين – إنما العامل الحاسم هو "الإيمان" .. الطمأنينة التى بشرت بها الرسالة فى زمن النبى محمد, الذى كان يعيش فى شبه الجزيرة العربية, فلقد كانت تلك الرسالة إلهية وصادقة.
إن العامل الحاسم هو القرار نفسه : 
أن أؤمن بالرب.
 أو أعرض عنه.
 أو أن أتخذ الإسلام دين.ا
أو أرفضه.
"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" ( ق 16 )
ومضت بضعة  أسابيع أخذت بعدها قرارى الخاص .. القرار بأن:
أؤمن بالرب.
وأن أتخذ الإسلام دينا. 
وحيث أننى لم أجد إجابة مقبولة على هذا السؤال, وأنه بناء على إيمانى المتزايد لم يسعنى إلا أن أقر أنه:
 " لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله."
ولقد كان الدافع الذى أفضى بى إلى دخول الإسلام بعد عامين ونصف من الدراسة هو أننى فكرت ذات مرة وسئلت نفسى:
_"هب أننى مت الآن, ووقفت أمام الرب, كيف يمكننى أن أبرر له لما لم أُسلم؟"
ولأنه ليس فى الإسلام أى من التنظيمات المسيحية, لم أضطر إلى التوجه إلى مكان ما لأسجل اعتناقي بالإسلام.
فبتلاوتي للشهادتين .. بدأت حياتى كمسلمة